آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 7:00 م

اراجيز الطف «7»

محمد أحمد التاروتي *

ارجوزة جون بن حوي بن قتادة في يوم عاشوراء، حملت الشجاعة والاقدام وكذلك الدفاع عن العترة الطاهرة ، فضلا عن الاستعداد التام لبذل النفس رخيصة في سبيل الله، فالابيات الثلاثة التي ارتجلها حملت العديد من المفردات القوية، وذات الوقوع الكبير في نفوس الجيش الاموي، مما يعطي دلالة على إعطاء الجمجمة لله تعالي، د والإصرار على الشهادة تحت راية سيد الشهداء .

يستهل الشهيد جون بن حوي ارجوته بالتوصيف الدقيق لجيش عمر بن سعد، من خلال استخدام لفظ ”الفجار“، مما يعطي رؤية وبصيرة واضحة، وقدرة كبيرة على قراءة الطرف المقابل، الامر الذي يحفز على اظهار العزيمة القوية في مواجهة هذه الفئة الفاجرة، التي خرجت لاراقة الدماء الزكية لاهل بيت البنوة ، بالإضافة لذلك فان استخدام مفردة ”الأسود“ تعطي دلالة على الشجاعة المنقطعة النظير، وعدم المبالاة بالاعداد الكبيرة التي تتحفز لقتال الامام الحسين ، وبالتالي فان الشطر الأول من مطلع الارجوزة يتضمن العديد من معاني البطولة والفداء، والعزم الراسخ على مقارعة الابطال في ساحات النزال، اذ يقول ”كيف تَرى الفُجّارُ ضَربَ الأسْودِ“.

بينما يردف الشطر الثاني من مستهل الابيات الثلاث، بكلمات لا تقل وقعا عن الشطر الأول، من خلال اختيار مفردات ”القاطع“ و”المهند“، مما يعني الرغبة الجامحة في إيصال الجيش الاموي الى جهنم، فهذه الكلمات تلعب دورا أساسيا في كشف الحالة النفسية، التي عاشها الشهيد ”جون“ عندما انحدر الى الميدان، حيث تكشف الراحة النفسية والاستقرار التام بالمصير الابدي الذي ينتظره، مما يشجع على الاندفاع بكل قوة في سبيل قطع رؤوس الأعداء ب ”المهند“، فالشطر الثاني يقول ”بالمشرفيِّ القاطعِ المُهنَّدِ“.

ينتقل الشهيد جون بن حوي في البيت الثاني، لكشف المحبة الراسخة التي يكنها لاهل البيت ، خصوصا وانه عاش في كنف هذه الاسرة الطاهرة ، وتشرّب من اخلاقها ومبادئها طوال السنوات المديدة من عمره، مما يدفع لبذل الغالي والرخيص في سبيل حمايتها، وعدم التردد في اتخاذ هذا الموقف المبدئي، طمعا في نيل رضوان الله أولا واخيرا، معتبرا الشهادة تحت راية الامام الحسين شرفا كبيرا، فالشطر الأول يكشف مكنون المحبة الطاغية، في قلب الشهيد جون بن حوي، لاهل بيت الرسالة ، بقوله ”أحمي الخيارَ مِن بني محمّدِ“.

فيما الشطر الأخير من البيت الثاني، يحمل الاستعداد الراسخ في الدفاع عن اهل بيت النبوة ، بحيث لا يقتصر الامر على الوقوف في وجه الأعداء باللسان، بل المناصرة المستمرة، لايقاف الدعايات المغرضة، التي تحاول النيل من اهل البيت ، باعتباره واجبا دينيا على كل مسلم، خصوصا وان أصحاب الدنيا والاعداء لا يتركون مناسبة، دون نشر الأكاذيب عن اهل البيت ، بالإضافة لذلك فان الشطر الأخير من البيت الثاني يتضمن القدرة على الوقوف في وجه الأعداء باليد، مما يعني عدم التردد في إيقاف العدو عند حده، بمجرد التمادي ورفع السيف في وجه اهل البيت ، حيث يقول ”أذُبُّ عنهم باللسانِ واليدِ“.

يتناول الشهيد جون في الشطر الاول من البيت الثالث، مكنونه من الاصرار على إراقة دمه في يوم الطف، فالشهادة في سبيل الله شرف كبير، لاسيما وان نصرة الإسلام تستوجب تقديم الدماء رخيصة، مما يقرب المرء من رضوان الله والفوز بالجنان، وبالتالي الخلود في جنة عرضها السموات والأرض، حيث يقول ”أذُبُّ عنهم باللسانِ واليدِ“.

ويختم الشهيد جون بن حوي ارجوزته، بالتوجه الى الاله تعالي أولا وأخيرا بالدعاء، فهو المرتجى في كل عمل، مما يدفع للاجتهاد في سبيل رضوانه، من اجل الفوز بحسن الخاتمة، فالمرء في الحياة يعيش امتحانات عديدة، لاكتشاف معادن البشر، واختبار القدرات للسير حتى النهاية في طاعة الله، والتقرب الى الخالق بخدمة اهل البيت ، والاستعداد الكامل لتحمل تبعات القرب من ال البيت ، حيث تمثل الشهادة في كربلاء مصداقا حقيقيا، لاختيار الموقف الصائب.

والكتب التاريخية تنقل ان جون يستأذن الحسين، فأذِن له، فحمَلَ جون وهو يرتجز ويقول:

كيف تَرى الفُجّارُ ضَربَ الأسْودِ ## بالمشرفيِّ القاطعِ المُهنَّدِ

أحمي الخيارَ مِن بني محمّدِ ## أذُبُّ عنهم باللسانِ واليدِ

أرجو بذاك الفوزَ عندَ الموردِ ## مِن الإلهِ الواحدِ الموحَّدِ

كاتب صحفي