آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 10:28 م

اراجيز الطف «6»

محمد أحمد التاروتي *

تركز ارجوزة بشير بن عمرو الحضرمي‌ على الذوبان الكامل، والتسليم التام لله سبحانه وتعالى، فالابيات التي ارتجلها في ساحة المعركة يوم عاشوراء، تتضمن العديد من المفردات التي تكشف العلاقة مع الخالق، والحرص على نيل رضوانه في جميع الاعمال، مما يكشف الارتباط الكبير الذي يتسم به معسكر الامام الحسين ، مع خالق السموات والأرض.

بشير الحضرمي الذي ينتمي الى قبيلة كندة من منطقة حضرموت في اليمن، يبدأ الابيات الشعرية التي نظمها في معركة الطف الخالدة، بالفرحة التامة بملاقاة الرحمن، والانتقال من دار الدنيا الفانية، الى الخلود والفوز بالجنان، فهو لم يذكر الجنة على الاطلاق وانما حرص على استعارة مفردة توحي بذلك من خلال استخدام ”ملقاة الرحمن“، مما يكشف عمق العلاقة التي تربط الشهيد بشير بالخالق والذوبان الكامل، حيث يقول ”اليوم يا نفس آلاقي الرحمن“، فالكلمات البسيطة التي ارتجلها تعطي دلالات عميقة بمدى القرب الإلهي، من خلال ترويض النفس على الاستعداد لهذا اليوم، والذي تسلم الروح للخالق وهي راضية ومرضية.

فيما يركز في الشطر الثاني من البيت الأول، على الاحسان المنتظر من الخالق والفيض الإلهي المرصود للشهداء، خصوصا وان التضحية في سبيل نصرة سبط الرسول الأعظم ﷺ، شرف لا يحظى به الا الصفوة من الناس، بحيث تجزى كل نفس بما كسبت، وبالتالي فان الاحسان الكبير الذي ينتظره كبيرا للغاية، بحيث يصعب تصوره على الاطلاق، فضلا عن المعرفة التامة بالسعادة الأبدية خلال ساعات قليلة، لاسيما وان الموت تحت راية سيد الشهداء يختلف تماما عن الموت الطبيعي، فالشهادة في سبيل الله اسمى شرف يناله الانسان في الحياة، الامر الذي يفسر قوله ”و اليوم تجزين بكل احسان“.

ويخاطب في الشطر الأول من البيت الثاني، النفس بعدم الجزع وتحمل الألم خلال هذه اللحظات القليلة، لاسيما وان مصير البشر الى الفناء والانتقال الى الدار الاخرة، وبالتالي فان الجزع يتناقض مع سنة الحياة القائمة على الموت لكل انسان، فالمسارعة في التضحية بالنفس في سبيل نصرة الإسلام، والوقوف في وجه الظلم، يمثل السبيل الوحيد للفوز بالرضوان، فالانسان مطالب على الدوام بترويض الذات وعدم الاستسلام لها، ومخالفتها لتفادي الوقوع في مصيدة الشيطان، بمعنى اخر، فان مطلع البيت الثاني يمثل رسالة واضحة للجيش الاموي، بالاستعداد الكامل للتضحية بكل ما يملك، في سبيل نصرة سيد شباب اهل الجنة ، وعدم مطاوعة النفس التي تحاول التشبث بالدنيا، وبالتالي فان الام ضربات السيوف وطعنات الرماح، تبقى قليلة بالقياس الى عذاب جهنم الذي يتنظره جيش عمر بن سعد.

يركز بشير الحضرمي في الشطر الأخير، من البيت الثاني من ارجوزته، على صفة أخلاقية مطلوبة على الدوام، فالصبر احدى المكارم الأخلاقية الفاضلة، التي ينبغي توافرها لدى الانسان المسلم، بهدف تحمل مصاعب الحياة والعبور من الامتحانات الدنيوية، الى رضون الله سبحانه وتعالى، خصوصا وان الصبر يساعد المرء على الوصول الى بر الأمان بمختلف المطبات الحياتية، فالصبر يقرب الانسان من الرحمن، لاسيما وان الحياة الدنيا ميدان امتحان عسير للمؤمن، مما يفرض عليه تحمل تلك المصاعب في سبيل الفوز بالرضوان، فالشهيد بشير الحضرمي يقول في الشطر الأخير من البيت الثاني ”و الصبر احظى لك عند الديان“، وبالتالي ان السعي الصادق لنيل مغفرة الله، واكتساب الاجر الجزيل، يتطلب الصبر على مختلف الامتحانات الحياتية، فالجزع وعدم تحمل بعض المصاعب يكشف ضعف الايمان، وعدم الاستعداد للتضحية، فيما اظهار الصبر يكشف المعدن الحقيقي للإنسان.

وفي رواية الطبري والتي تقول: فإنّ بشيراً آخر أصحاب الإمام الذين التحقوا بموكب شهداء كربلاء، وعندما خرج للقتال كان يرتجز ويقول

اليوم يا نفس آلاقي الرحمن## واليوم تجزين بكل احسان

لا تجزعي فكل شيء فان ##والصبر احظى لك عند الديان

كاتب صحفي