آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 11:30 م

اراجيز الطف «8»

محمد أحمد التاروتي *

تناول الصحابي الجليل أنس بن الحارث الكاهلي، في ارجوزته التي ارتجلها في معركة كربلاء، الاعتزاز بعشيرته وقدرتها على مقارعة الابطال في ساحات الوغى، بالإضافة الى التحريض على الاستبسال في القتال، للذوذ عن سبط المصطفى ﷺ، فضلا عن تعرية الجيش الاموي بوصفه ”شيعة الشيطان“، مقابل معسكر سيد الشهداء بوصفه ”شيعة الرحمن“.

يبدأ الصحابي انس الكاهلي ابياته الثلاثة، بالتعريف بعشيرته ودورها الكبير في مناصرة الحق، والوقوف في وجه الباطل، حيث يحرص على إيصال صوته الى الجيش الاموي، عبر الانتساب لقبيلته المعروفة لدى القاصي والداني، فهو غصن من تلك الشجرة الكبيرة التي تمتد جذورها في الجزيرة العربية، بالإضافة الى وقوفها الثابت في نصرة الدين الإسلام، اذ يقول ”قد علمت كاهلنا وذودان والخندفيون وقيس علان“.

ينتقل في الشطر الأول من البيت الثاني من ارجوزته، الى البسالة التي يتسم به قومه في الدفاع عن الإسلام، وكذلك رفض الظلم والجور، من خلال استخدام مفردة ذكية للغاية، فهذه الكلمة تعطي دلالات عديدة، وسرعة في إيصال الرسالة الى الطرف المقابل، خصوصا وان اختيار الكلمات ذات الوقع القوي، من الفنون التي يمتاز بها العرب في الحديث، فالمقاتل يتفنن في استخدام العبارات التي تحدث الأثر النفسي في الطرف المقابل، بهدف ادخال الخوف والرهبة، مما يفتح الباب للاجهاز عليه بسرعة، حيث يقول في ارجوزته ”بان قومي آفة للاقران“

فيما يحمل الشطر الأخير من البيت الثاني، دعوة صادقة لانصار سيد الشهداء باظهار القوة، وعدم التراخي في قتال الجيش الاموي، حيث يستخدم مفردة ”الأسود“ التي تعطي دلالة القدرة على الانقضاض على الفريسة بسهولة، والسيطرة عليها وازهاق روحها باقل جهد، فالصحابي الجليل حرص على تطويع بلاغته في الكلام، بطريقة سهلة وبسيطة ولكنها ذات اثر قوي، في تحفيز النفوس لدى انصار الامام الحسين ، من اجل بذل النفس رخيصة في سبيل نصرة الحق، والوقوف في وجه باطل عبيد الله بن زياد، فالجيش الاموي يمثل الوجه الحقيقي لسياسة يزيد بن معاوية، الامر الذي يستدعي الصدع بكلمة الحق، وعدم خذلان سبط المصطفي ﷺ، في معركته الخالدة بيوم عاشوراء.

في البيت الثالث يرسم الصحابي الجليل حقيقية معركة الطف الخالدة، من خلال التوصيف الدقيق لمعسكر سيد الشهداء ، وجيش عمر بن سعد، مما يكشف البصيرة الواضحة التي يتسم بها أصحاب الامام الحسين ، حيث يصف في الشطرالاول من البيت الثالث، حقيقة الصراع الدائر بين بين الامام علي ، واحفاد ”حرب“، فهذه الحرب ليست قابلة للمساومة او المهادنة، نظرا لوقوفهما على طرفي نقيض، فالاول وطن نفسه في الدفاع عن بيضة الإسلام بكل ما يملك، فهو لا يتواني في التضحية بالنفس في سبيل اعلاء كلمة الله، اذ يمثل موقف سيد الشهداء ابرز معالم تلك التضحية، اذ لم يظهر اللين او الضعف او الخوف من الجيش الاموي، وفضل التضحية بالكوكبة المؤمنة من اهل بيته وأصحابه، على السكوت عن الظلم والانحراف، الذي يمارسه يزيد بن معاوية، فالصحابي الجليل يقول ”آل علي شيعة الرحمن“.

ويختم انس الكاهلي ارجوزته بتوصيف الطرف المقابل، خصوصا وانه يمثل اسرة ”ال حرب“ التي وقفت منذ اليوم الأول في وجه الإسلام، ولم تتوان في سبيل نصرة الباطل بكل ما تملك، فهذه الاسرة حليف استراتيجي للشيطان، ولا تخفي هذا التحالف الشيطاني، من خلال الاقدام على ارتكاب الاعمال الاجرامية، والممارسات المخالفة للدين الحنيف، حيث يقول ”وآل حرب شيعة الشيطان“.

وينقل التاريخ ان الصحابي الجليل حينما نزل الى ساحة المعركة ارتجل هذه الابيات:

قد علمت كاهلنا وذودان +++ والخندفيون وقيس علان

بان قومي آفة للاقران ++++ يا قوم كونوا كأسود خفان

آل علي شيعة الرحمن +++ وآل حرب شيعة الشيطان

كاتب صحفي