آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 11:30 م

اراجيز الطف «9»

محمد أحمد التاروتي *

تضمنت ارجوزة يزيد بن الحصين المشرقي الهمداني والذي يُسمى ب «سيد القراء»، التعريف بالذات، وكذلك الدفاع عن ابي الاحرار ، بالإضافة الى الاستعداد التام لملاقاة الخالق، فالنزال في يوم عاشوراء يمثل الشرف الكبير الذي يتمناه الجميع، خصوصا وان الموت في سبيل الله غاية الانسان المؤمن في الحياة الدنيا.

يحتوي الشطر الأول من الارجوزة التي ارتجلها ”سيد القراء“ الكثير من المعاني، فهي تحمل النسب الشريف والتعريف بالتاريخ البطولي، فهو من ابطال الكوفة الذين تعرفهم الحروب، فضلا عن كونه من ”نساك الكوفة“، حيث يستهل ابياته ذات الكلمات القليلة بمفردات تحمل التعريف بالذات أولا، بهدف إيصال المعلومة الدقيقة عن الفارس القادم لملاقاة الجيش الاموي، بالإضافة لكون الشطر يحتوي على مفردة دقيقة للغاية ثانيا، فقد حرص يزيد الهمداني على اختيار كلمات ”ما انا فاشل“، مما يعني ان ضربته التي يوجهها للطرف المقابل لا تخطئ، وتصيب هدفها بدقة، خصوصا وانه خاص المعارك الكثيرة في حياته، مما يجعله اكثر قدرة على انزال العقاب، على العدو دون رحمة او خوف.

بينما يتناول ”سيد القراء“ في الشطر الأخير من البيت الأول، الموقف الثابت الذي اختاره من خلال مناصرة سيد الشهداء ، فهو ينطلق من المبادئ الثابتة والرؤية الصائبة، فالدعاية الاموية التي بثتها في الكوفة لم تحدث تشويشا لديه، مما يدفعه للاندفاع بقوة لمواصلة مشوار الدفاع عن الحق، والوقوف في وجه الباطل الذي يمثله عمر بن سعد، حيث يقول الشطر الثاني ”أضربكم عن الحسين بن عليّ‌“، فهذه المفردات تعطي دلالة قوية على الموقف الثابت، من خلال استخدام مفردة ”الضرب“، حيث تحمل الكثير من المعاني لدى الطرف المقابل، من خلال الإصرار على استخدام السيف في الضرب، والقتال الشديد في حماية سبط سيد الأنبياء ﷺ، وبالتالي الاستعداد التام لتقديم النفس رخيصة، في سبيل نصرة اهل بيت الرسالة، وعدم التردد في مواجهة الجيش الاموي الجرار، الذي احتشد لارتكاب الجريمة، التي اهتزت لها الأرض والسماء.

وفي الشطر الأول من البيت الثاني، يواصل يزيد الهمداني مشوار البطولة والاقدام في ساحة المعركة، من خلال استخدام الكلمات ذات الوقع الشديد على العدو، حيث يحرص على بث الخوف في نفوس الأعداء، عبر استخدام مفردة ”الضرب“ مجددا، باعتبارها اللغة التي يفهمها جيش عمر بن سعد، خصوصا وان لغة السلم وتجنب الحرب لم تجد نفعا على الاطلاق، مما يفرض الدخول في المواجهة المباشرة، واعمال السيوف في سبيل نصرة الدين الإسلامي، بالإضافة لذلك فان الشطر الأول يحمل مفردة ”بطل“، مما يعني ان البطولة في النزال من السمات التي يمتاز ”سيد القراء“، فساحات المعارك تعرف صولاته وجولاته، في مختلف المعارك السابقة، حيث يقول ”ضرب غلام أرجحيّ‌ بطل“.

الشطر الأخير من البيت الثاني، ينتقل يزيد الهمداني الى المصير الذي ينتظره، بمجرد انتقاله من الدار الفانية الى الاخرة، حيث يمثل يوم عاشوراء علامة فاصلة في التاريخ الإسلامي، خصوصا وانها ستحدث تحولات جذرية في الامة الإسلامية، حيث ستخلد هذه المعركة غير المتكافئة أسماء معسكر سيد الشهداء ، لاسيما وانها تنطلق من المبادئ الثابتة، والحرص على تصحيح مسار الامة، التي بدأت تنحرف جراء اعتلاء مسند الخلافة، شخصيات لا تمتلك المقومات الأساسية، للجلوس على كرس الخلافة، حيث يتضمن الشطر الأخير المعرفة السابقة بالمصير، الذي يلقاه كل شهيد يسقط في معركة الطف، فالدماء التي اريقت في صحراء الغاضرية، ستروي شجرة الحرية والثورة، على مختلف أنواع الظلم والقهر، فالشطر الأخير يقول: ”حتّى ألاقي يوم حشري عملي“.

ذكرت كتب التاريخ ان يزيد الهمداني كان يرتجز يوم عاشوراء:

أنا يزيد ما أنا بالفاشل أضربكم عن الحسين بن عليّ‌

ضرب غلام أرجحيّ‌ بطل حتّى ألاقي يوم حشري عملي

كاتب صحفي