آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:49 ص

موعد العاشقين‎‎

ورد عن الإمام الصادق : مَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ الخيْرَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ حُبَّ الحُسَيْنِ وَ حُبَّ زِيَارَتِهِ» «كامل الزيارات ص 142».

العناية الإلهية الخاصة المتمثلة بحبه لعبده وزيادة توفيقه لما يرضيه تعالى، لها إشعاعات متعددة ومواطن كثيرة ومنها إلحاقه بسفينة النجاة وركب الهدى الحسيني، ومن طرقه التوجه لإمداد النفس بالفضائل من خلال زيارة المولى الحسين ، وهذا يدل على أن الزيارة ليست بحروف جامدة ومجرد لقلقة اللسان بعباراتها دون التفاعل الفكري والوجداني معها، بل هي رابطة ولاء وصناعة الشخصية الرسالية التي تضع نصب عينيها أهداف النهضة الحسينية الإصلاحية والأخلاقية.

الحب الإلهي لعباده يتمثل بإمدادهم بكل ما يسعفهم ويعينهم في طريق الهداية والصلاح ويرشدهم إلى الحق ومراقي الكمال والسمو، وهذه العناية الإلهية عامة تشمل كافة الناس فيبين لهم معالم طريق البصيرة والاستقامة، وأما الهداية الخاصة فهي تلك الإفاضات النورانية والتسديدات التي تحدد بإطار زمني أو مكاني معين ينال أصحابه إشراقات ترتقي وتسمو بهم، ومن تلك الإفاضات الربانية هي ما يسبغه الباري على عباده المخلصين في أعمالهم والمهذبين لأنفسهم بأن يرزقهم ما يقوي بصيرتهم وإرادتهم في طريق الخير، إنه الوعد العاشورائي عند قبة النور الحسينية التي تظللت بالتضحية والتفاني والشهادة في سبيل الحق، تشد الرحال لاكتساب الفضائل وتجلية النفس بالمكارم نحو من باعوا كل شيء في سبيل رضا المعبود، فمن أحبه الله عز وجل وهبه تلك الجاذبية والانسياق نحو نور الحسين ، يراوده الحنين والتساؤل عن موعد اللقاء الذي يعانق فيه الإباء والحكمة والشجاعة الحسينية، وينظر العاشق للحسين في نفسه وسلوكه لئلا يحرم طعم اللقاء، فمن تلوثت نفسه بالذنوب والآثام فلن يحظى بعد طول انتظار إلا بصورة اللقاء الخالي من المضامين والنتائج المرجوة، فنزاهة النفس وطهارتها من شرائط اللقاء المنتظر، وعليه أن يسعى جادا لرفع كل الموانع والحجب من معاص ارتكبها وعيوب تلبس بها وتقصيرات تشف عن صعف همته ليحظى بالزيارة الواعية.

فمن نظر في محددات شخصيات أنصار الإمام الحسين ومن وعوا أهدافه الإصلاحية وما كانوا عليه من صلاح النفس وشدة العلاقة بالله تعالى والزهد في الدنيا ومن فازوا بوسام الدفاع عن الحق والشهادة، فليضع نصب عيني محاسبته لنفسه تلك المؤهلات والقدرات الفكرية والقيمية التي امتلكها أنصار الحق والفضيلة، فمجرد التلهف والمشاعر الجياشة لا توصل للمطلوب بل هي آليات ومقدمات تتحرك بالإنسان نحو النور الحسيني.

الصلاة والمناجاة بين يدي الله تعالى في تلك البقعة المباركة تكسب النفس الهدوء النفسي والطمأنينة ومراقبة السلوك والانطلاق نحو عالم الفضيلة، فتلك القبة النورانية تستبطن كل معاني السمو والكمال التي ينبغي وعيها ومعرفتها ومن ثم امتلاك الهمة العالية إلى تطبيقها وتجسيدها في الواقع، فزيارة الإمام الجسين تطهير للنفس وتعذيب لها من دنس الانحراف الفكري والسلوكي، إذ كيف يكون حال من اتخذ الحسين بكل ما فيه من سمو وكمال أخلاقي في صفاته واستقامته وبصيرته؟!

المحرك الأساسي للقاء الشوق هو جاذبية شخصية ومواقف الإمام الحسين الباذل لكل شيء حتى نفسه الشريفة في سبيل حفظ القيم الدينية والتربوية، فتهفو النفوس نحو ملاقاة صاحب القبة البهية، من سطع الكون بأنوار فدائه وتضحياته وشجاعته ومواقفه البطولية التي سطرها، فيطلب زائره السير على نهجه والتحلي بالصفات السلوكية الكمالية التي كان عليها.