آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:46 م

يوميات الآباء الرقميين

أثير السادة *

الآباء والأمهات في مطلع الموسم الدراسي محاصرون بتطبيقات التواصل على الهواتف المحمولة، ينتقلون من مجموعة لأخرى إذا كان في البيت الواحد أكثر من طالب يحضر الدروس عند بعد أو حضوريا، فالتقنية التي سهلت الاتصال بين أولياء الأمور والمؤسسة التعليمية زرعت في هاتف كل واحد منا حديقة من التطبيقات التي لا تتثاءب ولا تعرف النوم، لا يجد المسئول في المدرسة غضاضة من إضافة إسمك وإسم زوجتك في حساب يجمع كل اولياء الأمور لمرحلة دراسية ما، لتغسل وجهك كل صباح على رسائل لا نهاية لها، هذا يشتكي مع تعثر الدخول للنظام، وذاك يسأل عند الفجر عن موعد خروج الطلاب نهاية النهار، وثالث يرد، ورابع يعقب، وأنت بين هذا وذاك لا تعرف طريقا لإغماض عينك، فرنين الرسائل يطرق رأسك بين الحين والحين.

كنا قبل الجائحة نبحث عن طريق للخروج من حصار تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعية، للتخفف من استخدام الجوال، ومن النقر على لوحة مفاتيحه، صارت شهوة البحلقة في الجوال تعادل شهوتنا للطعام والشراب، ننسى شرب حصتنا من الماء يوميا، ولا ننسى التفرس في وجه كل صورة عابرة، وحرف طائر، في زوايا المواقع والتطبيقات تلك. كنا نحلم بساعة خلوة مع النفس، وعزلة عن بوابات الثرثرة، لحظة ينقطع فيها إرسال الهاتف، وتسقط فيها أبراج الانترنت، حتى جاءنا السيد كورونا، وجعل مزاج الوقت كله قائما على الهاتف المحمول وتطبيقاته، أخذ الهاتف المحمول من حد الترف إلى حد الضرورة، وهو يجعل من خطواتنا مرسومة برسم التطبيقات التي لا غنى عنها في يوميات الحياة اليوم.

ولأنه قدرنا المحتوم، لا نجد أمامنا خيارا إلا الصبر والتعايش مع طنين الرسائل التي نذهب إليها كمن يذهب باحثا عن خبر عاجل، تخاف أن إبنك الصغير أضاع الطريق إلى حصته في المنصة، أو أن أخاه الأكبر لم يستيقظ صباحا، كل وميض في شاشة الجوال محمول على حد الهلع، والنتيجة غالبا رسالة تائهة تريد أن تستفتح اليوم بالتذكير باهتمام ولي أمر، أو حرص مسئول في مدرسة، وإمعانا في التحول الرقمي، سيمرجحك المسئول بين هذا التطبيق وذاك، عليك أن تنتقل من مكان لآخر، فمدير المجموعة المدرسية حريص على تعميق الحضور في العالم الافتراضي.

مازال الموسم الدراسي في أوله، والانهاك الالكتروني في ذروته، والآباء يطلون من شرفة القلق على موسم دراسي شعاره الحذر، والتردد، والخوف، الخوف من إغلاق أبواب المدارس ثانية، ومن تحول لهفة العودة إلى أحزان العزلة المنزلية، ومن تعثر ابحار مراكب التعليم بين الحضوري والافتراضي، ومن ارتباكات الفصول الثلاثة، والإجازات المتعددة، حيث عندها لن يستريح أولياء الأمور الذين كانوا يطمعون بعودة تكفيهم تعب الدراسة عن بعد، ولن يستريح كذلك المدرسون ممن قدرهم الشقاء في كلا الحالتين.