آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

حجارة القول

ليلى الزاهر *

‏امتلأت قواميس اللغة العربية بالكثير من المترادفات الجميلة، فما أجمل استغلال الكلمات الأنيقة في لغتنا وإشاعة البهجة والتحفيز باستخدامها في جميع ماينطوي تحت أحاديثنا خاصةً في وقتٍ امتلأ الناس فيه بالألم، وضجت النفوس بالحزن من كثرة فقدهم لأحبابهم. عامٌ من الحزن تلاهُ عام آخر.

‏وما أن تفتح يداك حتى حلقت فراشات السعادة بعيدا.

أصبحت القلوب طريّة لاطاقة لها بصدّ حجارة القول، فالعقل ويسبقه الضمير يقولان: رفقا بمن حولكم ياسادة فمازالت بطون المستشفيات ترشق بالموتى نحو المقابر

آسفة بحجم السماء أن أثرت الشجون عند البعض ولكن غالبا ما تصدمنا الحقائق وترمينا بجمار مشتعلة، وتكمن مهارتنا في صدّها بكل قوة.

ربما أثار مشاعري تلك شكوى من إحدى الرفيقات عندما نقلت لي صورة تتعلق بالواقع المؤلم قائلة:

هل رأيتِ شخصًا مدّ يده بالسلام مصافحا أحدهم لكنه لم يبادله التّحيّة؟

وهل رفضتِ هذا التصرف وبدا ذلك واضحا عليك؟! لأن الجميع يرفضه في قرارة نفسه ولايجرؤ علىالبوح برفضه أمام الناس؟

أجبتها:

إنّ ‏إهانة الناس ماهي إلا نتاج حقد دفين عجز صاحبه عن التخلص منه. وهذه الأحقاد تحرق صاحبها ويتناثر رمادها عليه أمدًا طويلا.

‏وإذا كان السهم يغرز الجسد فالإهانة والاحتقار تخترق الروح.

ثم واصلتُ حديثي قائلة:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

‏ «وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ»

‏ليس لدينا مايكفي من قوة كي نتحمل أعباء فوق أعبائنا، ولانمتلك إجابة لأسئلة أقل مايقال عنها أن إجاباتها وضعت مسبقًا وتحتاج لتأكيد فقط.

لما أسري بالنبي ﷺ قال: يارب ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمد من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة

إذا دعمتَ أحدا أُهين أمامك وجبرتَ خاطره تأكد أن نسيما عاطرا سوف يهبّ عليك من الفردوس الأعلى!

‏من وجهة نظري: تجب نصرة المستضعفين بأيّ طريقة كانت، والأخذ بخاطرهم، يجب الحفاظ علىحرمة الإنسان وقد عاهدت نفسي على ذلك ماحييت.

من جانب آخر فإن ذاكرة الإنسان الضعيفة التي لاتنفع صاحبها وتخذله في مواقف متعددة تكون حاضرة بأي وقت وتتذكر تفاصيل المشاهد المؤلمة جيدًا ‏فالذاكرة السيئة شاهد عيان على المواقف السيئة،

لاتنسى ماحدث بل تسعفك بالمزيد من التفاصيل.

والغريب أنّ ضعيف الذاكرة يتذكر جيدًا من أساء له، ويغالط نفسه ويقول: نسيت ماحدث، بينما يبدو الأمر حديث العهد في ذاكرته الضعيفة.

‏لنجعل ذاكرتنا السيئة نشطة لكن ليست مصممة لأن تكون دقيقة.

‏املأ قلبك بنور الله لتخمد الذكريات السيئة

وليكن صنيع الإمام الحسن كعبة لنا نقصده أثناء وقْع حجارة القول فوق رؤوسنا، جاء رجل من أصحاب الحسن يقال له سفيان بن أبي ليلى وهو على راحلة له، فدخل على الإمام الحسن «عليهالسلام» فقال له: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين!

لكن الإمام تقبل إهانة صاحبه وردها ردّا حسنا والتاريخ يشهد بحلمه سلام الله عليه.

إننا منذ أن تعلمنا النطق وأجدنا سماع الكلمات ونحن نُحاول إفراغ مشاعرنا في تلك الحروف فلعلها تضيق ذرعا بما يُثار في القلب والوجدان، ويحدث ألما مريرا يظلُّ يُصارع في الذاكرة بين النسيان والمثول.