آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

زينب بعد أربعينَ يومًا.. عدتُ إليكَ يا حصني المنيع ورأسكَ معي!

المهندس هلال حسن الوحيد *

هل لديكَ أخت؟ أكاد أجزم أنها ترى فيكَ ذلكَ الحصن الآمن، الذي تلجأ إليه إذا ألمَّ بها حادث، وعندما يرحل الوالدان، تصبح الأختُ الأمّ الرَّءوم والأخت الحانية.

يذكر التاريخ أنَّ من بقي من ركبِ الإمامِ الحسين عليه السَّلام حيًّا، من الأهلِ والأتباع وعلى رأسهم من النِّساءِ اخته زينب ومن الرِّجالِ ابنه الإمام من بعده، عليّ بن الحسين عليه السَّلام، مروا على أرضِ المعركة في كربلاء في طريقِ عودتهم إلى المدينةِ المنورة، وكان ذلك في اليومِ العشرين من شهرِ صفر، سنة 61 هجرية.

كانت زيارة مُرَّة بكل تفاصيلها وأليمة أيَّما ألم على زينب عليها السَّلام. عبرت الأرضَ التي رأت فيها - وللمرةِ الأخيرة - إخوتها أحياء، واليوم تستحضر أرواحهم - وتستنجد برؤوسهم المحمولة معها - لحمايتها، وأشدّ الأمور فظاعةً عليها أنَّ من ذبحهم كان موجودا، ويقود القوافلَ في الطريق! شتَّانَ ما يومي على كورها… ويومَ حيَّانَ أخي جابرِ

فما أبعدَ ما بين يومها على كورِ الناقة، وبين يومها في المدينةِ المنورة في صباها في أمنٍ ودعَة، تحت صونِ أهلها وكفالتهم. حينها طافَ بها شريطُ ذكرياتِ الزمنِ القديم، منذ كانت هي والحسن والحسين تحت جنحان الجدّ والأب والأم. هبت الرِّياحُ العاتية واقتلعت شجرةَ الأم، ثم الأب، ثم الحسن، والآن اقتلعت ظلالَ الحسينِ بكلِّ عنف. ليت الرِّياح اكتفت بالحسين وحده، بل ذهبَ معه كلُّ غالٍ لديها من الأخوةِ والابناء وأبناء الأخوة والأقارب، في عاصفةٍ واحدة!

من يسأل عن حديديَّة زينب، هاهو التاريخ يجيب: كلماتٌ نارية قالتها زينبُ في رحلةِ الأربعينَ يومًا، ضحكت من المخدوعينَ بانتصارِ عدوها الوهميّ والشكليّ، خربت ذلك الانتصار وصارَ إلى لا شيء!

عاشَ في العالم رجالٌ كثيرون - قبلها وبعدها - حاولوا أن يغيروا مجرى التاريخ، فلم يستطيعوا، وهي امرأة قُتِلَ حاميها وناصرها وخط دفاعها الأوحد، ومع ذلك كانت كالصخرةِ الصلبة، حنت المصائبُ ظهرها، ولم تستكن ولم تنكسر، وتكلمت عن الحق في مثل ذلك الموقف، ولم ينساها التاريخ!

خلاصة الكلام: ما هذا الطوفان والفيضَان العظيم، والسَيْل البشريّ المُغْرِق، يجددونَ العزاءَ جيلًا بعد جيل، في كلّ سنة، إلا من آثار تلكَ العظمة، ومن بركاتِ عودة زينب مع رأسِ أخيها بعد أربعينَ يومًا من غربتها عن أخيها، وغربة رأس أخيها عن جسده، فحيا اللهُ ذلك العزم وتلك العودة!

مستشار أعلى هندسة بترول