من أدمغة النمل، البحث عن دروس جديدة عن سلوك الإنسان والمجتمع
14 أغسطس 2020
بقلم كات ماكلباين
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم : 268 لسنة 2021
From Ant Brains، Seeking New Lessons about Human Behavior and Society
August 14,2020
Kat J. Mcalpine
ماذا يمكن أن يخبرك النمل عن الدماغ البشري والمجتمع؟ الكثير، كما يبدو. النمل، كالبشر، كائنات اجتماعية للغاية، مما يعني أن أدمغتها طورت بنيويات ووظائف خاصة تسمح بالتعاون والتواصل مع مجتمعها. حتى أن بعض أنواع النمل تعمل معًا لتزرع وتحصد الفطر من أجل الحصول على غذائها.
لذا، بالنظر إلى النمل الزراعي من النوع الذي يزرع الفطر وأنواع أخرى منها، يدرس باحث علم الأحياء في جامعة بوسطن جيمس ترانييلو James Traniello تعقيدات «تركيبات» أدمغة النمل وكيف تطورت evolved خصائص الدماغ لتتوافق مع السلوك والمجتمع.
للجهود التي بذلها في هذا السبيل، حصل هو وزملاؤه مؤخرًا على ثلاث منح مالية جديدة بلغ مجموعها حوالي 1,5 مليون دولار، والتي ستمول دراسات جديدة تبحث في نشأة وتطور دماغ النمل وبنيويته ووظيفته وتعبيره الجيني ونظامه الغذائي وتمثيله الغذائي «الأيض / الاستقلاب»، وتكيفه الاجتماعي، وما إلى ذلك. على الرغم من أن جائحة فيروس كورونا قد أدت إلى تهميش الكثير من أعمالهم المخبرية لعدة أشهر، إلا أن فريق البحث أخذ يرحع ببطء إلى العمل البحثي في المختبر. ولكن ترانييلو أقرَّ بأنه يعاني من ”تراجع في عمل المختبر“ على الرغم من حقيقة أن فريقه يلتقي أسبوعيا عبر منصة زووم Zoom.
يقول ترانييلو ”أفتقد بشدة أن أكون حاضرًا بشكل شخصي في بناية أبحاث البيلوجيا في جامعة بوسطن مع الجميع“. ولكن مع تكثيف مختبرات جامعة بوسطن نشاطها بما يتماشى مع خطة إعادة فتح الجامعة، سيرتدي ترانييلو وفريقه معاطف المختبر لدراسة النمل آخذين في الاعتبار أسئلة بحثية جديدة ومثيرة للاهتمام.
تواصلت موقع برنك The Brink «الموقع الاخباري لجامعة بوسطن» مع ترانييلو وأعضاء مختبره الذين سيستفيدون من المنح المالية الجديدة - الممنوحة من مؤسسة العلوم الوطنية، ومعهد علوم الجينوم التابع لجامعة بوسطن BU Genome Science Institute والصندوق الوطني للتطوير العلمي والتكنولوجي والابتكار التكنولوجي في البيرو Fondo Nacional de Desarrollo Científico، Tecnológico y de Innovación Tecnológica - لسؤالهم عن البحث الذي يعملون عليه، ما الذي يأملون في معرفته بالضبط عن النمل «والحيوانات الأخرى وربما حتى البشر»، ومع استمرار انتشار جائحة كورونا، ما إذا يستطيع البشر أن يتعلم أي دروس من النمل الذي يكافح الأمراض.
هذا ما قاله ترانييلو وفريقه - بما فيهم طالبة الدكتوراه السابقة فران كامهي Franne Kamhi ومرشحو الدكتوراه الحاليين زاك كوتو Zach Coto وإيزابيلا موراتور Isabella Muratore وفرانك أزورسا Frank Azorsa والباحثان في المرحلة الجامعية ميمي كاي Mimi Kay وفراز زيدي Faraz Zaidi.
سؤال وجواب مع مختبر ترانييلو
لكن في الحشرات الاجتماعية كالنمل [المترجم: وأيضًا كالنحل والزنابير والنمل الأبيض]، يرتبط تطور الدماغ بعقم العاملات وقوة المستعمرة وليست قوة أحد أفرادها. التحديات المعرفية / الادراكية التي تؤثر في سلوك عاملات النمل وبالتالي حجم دماغها وبنيويته مقترنة بالتخصصات السلوكية[4] - من المهم تقسيم العمل[5] ، والذي يتضمن نشأة / تطور evolution عاملات تختلف في حجم [الدماغ] والمهام التي تؤديها. قد يكون لدى بعض العاملات حصيلة سلوكية behavioral repertoires أكثر تنوعًا وأكثر تطلبًا مرتبطة بالبحث عن الطعام، في حين أن البعض الآخر قد يكون متخصصًا للدفاع عن المستعمرة أو طحن البذور أو العمل بمثابة بوابة حية «حارس حي» للعش. نتوقع أن تختلف أدمغة العاملات التي لديها حصيلة مهام واسعة أو ضيقة للغاية في حجم الدماغ والعمارة في علم الأعصاب neuroarchitecture [المترجم: استجابة فسلوجة الكائن الحي للأمكنة والمساحات والمباني، بحسب [6] ] لتناسب أدوارها الاجتماعية.
neuroarchitecture
لو يؤثِر / يفضل التطور evolution حجم دماغ أكبر، فكيف يؤثر ذلك في الطلب على الطاقة؟ أدمغة الحشرات الاجتماعية دقيقة «أي صغيرة جدًا ومختلفة من الناحية الفسيولوجية عن أدمغة الفقاريات. أثبتت فران كامهي Franne Kamhi التي حصلت على درجة الدكتوراه من بحث أحرته في مختبر ترانييلو، أن بعض النمل المعقد «المتقدم» اجتماعيًا لديه أدمغة أكبر، ولكنها تستخدم طاقة أقل لتقوم بوظائفها. هذه العلاقة بين التعقيد الاجتماعي وحجم الدماغ والتمثيل الغذائي ليست مفهومة جيدًا، وهي محور البحث الحالي بقيادة عضو مختبر ترانييلو زاك كوتو، الذي يسعى للحصول على درجة الدكتوراه.
كالبشر، النمل معروف بذكائه الجماعي الاستثنائي. تعتبر المجموعات المتعاونة أفضل في حل المشكلات من الأفراد في كل من المجتمعات البشرية والنمليات، لذلك يمكننا أن نسأل كيف يؤثر الإدراك المنبثق في تطور / نشأة evolution الدماغ، بما في ذلك تمثيله الغذائي.
هناك أيضًا فكرة من نظرية الأنظمة المعقدة [8] مفادها أن التعقيد الاجتماعي الأعظم مشتق من بساطة الفرد individual simplicity، لكن كيف يؤثر الإدراك على مستوى المجموعة في حجم الدماغ [للفرد] وبنيويته والتمثيل الغذائي للدماغ لم تُدرس جيدًا بعد. لذلك، يوفر النمل فرصًا للإجابة على الأسئلة المهمة أيضًا في التطور evolution البشري.
يُعتقد أن التغيير الغذائي والثقافي مقترن بتكوِّن مجموعات اجتماعية أكبر وأكثر استقرارًا، منا يغير المقتضيات / المتطلبات الإدراكية[9] لأعضاء «أفراد» المجموعة التي قد تنعكس في حجم الدماغ وتنظيمه ووراثياته «جينتكس». من المثير للاهتمام أنه كما يظهر أن حجم الدماغ البشري قد انخفض منذ ما يقرب من 10 ألف عام، حوالي في الوقت الذي بدأت فيه الزراعة.
من الصعب الإجابة على سؤال بشأن كيف تؤثر النزعة الاجتماعية[11] وحل المشكلات بشكل جماعي في تطور الدماغ البشري، لأن السجل الأحفوري البشري يحد من التحليل. ومع ذلك، هناك علاقات بين التعقيد الاجتماعي والإدراك والتغيرات في حجم الدماغ وحجم الجسم في النمل الزراعي مما يعطي نظرة ثاقبة لما هو ممكن في الطبيعة في ظل ظروف مشابهة بصورة عامة.
يتنوع مظهر النمل قاطع الأوراق بشكل ملحوظ؛ يتراوح حجم العاملات من صغير جدًا «حوالي نصف ملليمتر عبر رأسها» إلى حجوم كبيرة «أكثر من 3,5 ملم» ويمكن تقسيمها إلى مجموعات طبقية ثانوية / فرعية subcastes وفقًا لحجمها والمهام التي تؤديها. تختلف أدمغتها من الناحية البنيوية، لا سيما في حجيرة compartment تسمى جسم الفطر، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقشرة cortex الفقاريات الدماغية. هذا هو مركز التعلم «الاكتساب» والذاكرة لدماغ العاملات، وهو أكبر نسبيًا في المجموعات الطبقية الفرعية التي لها سلوك هو الأكثر تعقيدًا.
افترضنا أن الاختلافات في بنية الدماغ مثل هذه وأنماط التعبير الجيني الخاصة بالخلية تدعم تقسيم العمل الزراعي في هذا النوع من النمل من خلال التأثير في بنية الدماغ وسلوكه في مجموعات الطبقات الفرعية subcastesمنه.
يوفر النمل الزارع للفطريات Fungus-growing ants فرصًا رائعة لفهم تطور evolution الدماغ لأنها متنوعة في التنظيم الاجتماعي. بعض الأنواع تملك مستعمرات صغيرة بعاملات تتميز بنفس الحجم تقريبًا تؤدي مجموعة كاملة من المهام اللازمة لإنتاج محصول الفطر، ولكن في الأنواع المتقدمة advanced التي لديها مستعمرات كبيرة، تكون الزراعة منها بحجم كبير، وتُنجز من خلال تطور evolution أحجام دماغية مختلفة للعاملات التي تتباين في سلوكها. لذلك، داخل الفروع الحيوية للنمل clade of ants «انظر[12] »، هناك تنوع كبير في التعقيد الاجتماعي، والذي يمكننا الاستفادة منه لاستكشاف المسائل التي طرحناها في بحثنا عن العلاقات بين التكيف الاجتماعي socialization وتطور evolution الدماغ.
حتى أن النمل من نوع آخر وسع من فرص البحث هذا. مجموعة من النمل تسمى النمليات البونيرويدات poneroids «انظر [12] » معروفة بعاداتها المفترسة predatory، وتعتبر من أكثر النمل بدائية. مثل النمل الذي يزرع الفطر، فهو متنوع من ناحية البايلوجيا الاجتماعية ومن ناحية الايكلوجيا، لكن العاملات في هذه المجموعة هي مفترسة نشطة، وبين الأنواع المختلفة تظهر اختلافات مذهلة في النظام الغذائي وحجم المستعمرة وحجم الجسم ومظهر العاملات وتقسيم العمل. بعض أنواع نمل البونيرويدات poneroid تفترس النمل الأبيض فقط، في حين أن البعض الآخر منها لا يعتمد على طعام خاص بعينه ولكمه ينوع مصادر غذائه «generalists».
يختلف نمل البونيرويدات Poneroid في حجم الجسم ويتراوح من 1,4 ملم إلى نمل الأمازون العملاق Dinoponera gigantea البالغ طوله 3,6 سم، ويمكن أن يكون حجم المستعمرة أقل من 10 نملات أو أكثر من 10 آلاف نملة.. الاختلافات في التخصص بغذاء معين ونوع العمل الذي يقوم به لتحصيل غذائه والتنظيم الاجتماعي من المحتمل أن ترتبط بالتكيفات المعرفية / الادراكية المتعلقة بنظامها الغذائي والتواصل الاجتماعي التي تؤثر في حجم الدماغ وبنيته وتمثيله الغذائي، مما يجعلها مجموعة مثالية لاختبار نظريات تطور evolution الدماغ. فرانك أزورسا، طالب دكتوراه في مختبر ترانييلو، يقوم حاليًا بإجراء بحث على نمل البونيرويدات ضمن مشروعه للحصول على الدكتورا.
يعيش النمل في بيئات حافلة بمسببات الأمراض والطفيليات وتشكل مستعمرات يمكن أن تضم الملايين من النمل الذي يعيش متراكمًا بكثافة داخل أعشاشه «بيوت النمل». واحدة من أقدم وأهم تكيفاتها للسيطرة على العدوى هي الغدة البطنية metapleural «انظر[13] »، والتي تفرز مضادات حيوية. كل نملة هي عبارة عن صيدلاني، تفرز مواد كيميائية وقائية وتوزعها في جميع أنحاء المستعمرة عن طريق تنظيف نفسها ورفاقها، وتنشر إفرازات المضادات الحيوية في بيتها «عشها» بأكمله.
بالإضافة إلى ذلك، يتعايش النمل الذي يزرع الفطر مع البكتيريا التي تنتج المضادات الحيوية للسيطرة على الفطريات الغريبة الأخرى التي يمكن أن تغزو المستعمرات وتقتل الفطر الذي تزرعه للتغذى عليه.
بشكل عام، تتواصل الحشرات الاجتماعية فيما بينها عن اى وجود لمسببات الأمراض وتبعث بإشارات تجعل أفراد عشها يتفرق، مما يقلل من خطر اصابتها بالعدوى. يمكن أن ”تصاب بالحمى“، مما يرفع من درجة حرارة العش «البيت» لقتل مسببات الأمراض حرارياً. كما أن عاملات النمل المصابة بالعدوى ستنأى بنفسها جسديًا عن زميلاتها غير المصابة، وتقوم بحجر صحي بشكل طوعي، وتغادر المستعمرة قبل أن تموت.
حتى أن بحثنا يثبت أن بعض الأنواع لديها مناعة اجتماعية[14] - فالعاملات التي تتمتع بالمناعة قادرة على تعزيز مقاومة الأمراض في المستعمرة بشكل عام، ربما عن طريق تلقيح زميلاتها في العش أو نشر المنشطات المناعية.