آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:12 م

بين كمال الأجسام وكمال العقول

ليلى الزاهر *

يُحكى أنّ مدربا رياضيا يعمل في إحدى صالات كمال الأجسام يتغلغل في أعماقه حب العمل والإخلاص فيه، تليق به القوة، ويتصرف مثل الأسود الأقوياء وعلى الرغم من ذلك تبرق في عينيه ضحكات الربيع ودفء الشتاء. ما انفك قلبه عن الرحمة التي أحاطت بالقلوب واحتوتها، وتقاطرت من جبينه حبيبات العرق مثل عامل قوي يحمل الصخور العتاة ويُعلي البنيان.

أراد أحد المشتركين الانضمام لمجموعته الرياضية فرفض دخوله دون كمام واقٍ، لقد تفاجأ صاحبنا من ردّ المشترك الذي استحقره لأنه من ذوي البشرة السوداء قائلًا للمدرب:

«آخر زمن العبيد يمنعون أولاد الشيوخ من الدخول»

يقول المدرب الرياضي:

لولا إيماني بأن القوة والعضلات هبة من الله لتوظيفها في مساعدة الضعفاء لحطمت فمه لكن الله ألهمني الصبر وأشحت بوجهي عنه. وبعد انتهاء فترة التدريب المخصصة لي ذهبت للإدارة لتقديم شكوى ضده إلا أنه سبقني بالشكوى وكان خِتام الأحداث أن صدقوه وكذبوني.

لاح لي أن قائدنا أفرغ ما في جعبته ومضى صفر اليدين لأن لونه الأسود لم يلقَ قبولا عند الإدارة كما كان يعتقد.

أما تراتيله القلبية فجالت في واسع الفضاء، ولم تتقيد بزمان ولامكان وتمثّلت شاخصة أمام الله تعالى.

وهناك افترشت السجود لله تشتكي عباده.

ربما صادف صاحبنا أشباه رجال لايفهمون من الإنسان سوى شكله ولونه وماله وعائلته، فحفروا في ذاكرته أخدودا صعب الردم. ومازال في القلب غصّة على واقعنا المؤلم الذي امتلأ بظلامة الإنسان لأخيه الإنسان.

يلجأ الكثير للتنفيس عن همومهم ومشاكلهم خلال عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، بل يطلبون من معارفهم نشر ما يشعرون به من أسى وحزن ربما لأنهم يشعرون بشيء من الراحة عندما يفرغون آلامهم أو ليتمكنوا من إخبار الناس بألمهم ومعاناتهم القاهرة، إنهم يطلبون منهم برجاء حار عدم تكرار تلك المواقف الجارحة.

لن أُطيل الحديث لأنني فعلا أشعر بألم شديد لأن تلك الخزعبلات العصبية مازالت تثبت وجودها بيننا وللأسف الشديد.

‏لقد مضى غبار السنين ونسينا صورة بلال بجانب محمد ﷺ!

‏أراد نبينا الكريم وضع النقط على الحروف في اختلاف ألواننا عندما قال:

«نعم المرء بلال، هو سيد المؤذنين، ولا يتبعه إلا مؤذن، والمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة»

وكنت يوما أعتقد أن صفحة الأسود والأبيض قد طُويت ولكن هيهات. فهناك الكثير من أصحاب البشرة السوداء يعانون في مجتمعنا مثل معاناة الدونية والقبلية والفقر والحاجة.

‏يا أخي لاتمل بوجهك عني

ما أنا فحمة ولا أنت فرقد

‏فإذا كنت تنظر لأَسْود أو لفقير بدونيّة راقب الناس أمام كعبة الله ثمّ خذ نفسا عميقا أمام القبور!

‏في سماء الله السابعة يتساوى جميع الناس إلا بتقواهم وعملهم الصالح.

قد أشعر بحزن شديد وأدفع ضريبة ذلك من مشاعري الساخطة على من لايحترم الإنسان لإنسانيته، وأعجز عن وصف البُلهاء من الناس الذين لايهمهم سوى الشكل والمال واعتبارات أخرى لادخل لها بالإنسان.

أشعر أنّ قلمي يرزح تحت وطأة البؤس من تلك المشاكل الاجتماعية التي يضج بها المجتمع وقد تظهر ملامح الحزن على مداد قلمي وبين أروقة سطوري إلا أنني آمنت.