آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 12:26 م

محمد رسول الله ‎‎

إن المتصفح لسيرة هذا النبي العظيم وما قام به من دور كبير في تغيير دفة مجتمعه بل البشرية كلها، لا يمكنه إلا أن يقف إجلالا وإكبارا لمعلم الناس ومهذب نفوسهم وقائد مسيرتهم نحو المعرفة والتكامل النفسي، فلقد صقل بتلك التعاليم الإلهية وما كان عليه من خلق رفيع في التعامل نفوس الناس وصاغ شخصياتهم وفق قيم التوحيد والفضيلة والاستقامة والأمل المستمر بالتغيير.

فمقياس العظمة ورفعة الشأن لأي شخصية لا يخضع للمعايير المادية والوجاهتية، بل هو بمقدار ما تحتويه في مكنونها من طهارة ونزاهة ونبل يشع على مواقف هذا الشخص فكره وسلوكياته، ولقد قاد النبي الأكرم ﷺ أكبر وأعمق وأنجح عملية إصلاح وتغيير في نفوس الناس وما تلاها من أجيال إلى قيام الساعة، وصعوبة المهمة التغييرية تتمثل في انحدار الناس إلى مهاوي الانزلاق على مستوى كافة الصعد العقدية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، فما كان عليه الناس من ظلام وضلال مطبق أضاعهم بوصلة التكامل والكرامة الإنسانية، واتجه بهم نحو التسافل إلى الحياة البهيمية والانقياد الأعمى للشهوات والأهواء النفسية، وهذا ما انطبع على حياة المجتمع آنذاك بصورة سوداوية إذ تفشت فيه الظواهر السلبية والتصرفات اللا عقلائية، بل كان عنوان حياتهم تغييب الفكر الموجه والواعي في أكثر جوانب حياتهم ولم يبصر النور منها إلا القليل جدا، فأتى ﷺ بالتعاليم والتوجيهات التي سمت بالنفوس وصقلت فيها الصفات الحميدة، والتخلي عن صفات الرذيلة والعيوب الموجبة للنقص من خلال الارتكاز على الحركة العقلية في الأقوال والأفعال.

حركة الإصلاح المحمدية كانت تعتمد على قواعد صلبة تحذب النفوس وتوافق القناعات العقلية المنصفة، فالشخصية الذاتية للرسول الأكرم ذات مقبولية ومحبوبية اعتمدت على معاشرة الناس له منذ نعومة أظافره، فلم يروا من خلقه الرفيع ومنطقه الحكيم إلا ما يزيده في كل يوم موثوقية عندهم حتى عرف بينهم بالصادق الأمين، كما أن خلقه العظيم وطريقة تعامله المثلى والحسنى مع جميع الناس خلق له قاعدة جماهيرية تعتقد بشخصيته الكمالية، ولما بعث للناس كان عنوان حركته الرحمة واللين والرأفة والتواضع وإرادة الخير للناس، ولم يمارس معهم في دعوته العنف والقمع الفكري بل قاد بسلاسة وهدوء عملية الحوار وإخراج الناس من ظلمات الجهل والتزمت وتقليد الآباء الأعمى، فلا إكراه في الدين ولكنه تحريك العقل وتوجيه النفس نحو آيات الله تعالى المبثوثة في الكون؛ لتكون النتيجة المتحصلة بنحو القناعة التامة أن لهذا الكون خالقا حكيما مبدعا، كما أن منهجه الأخلاقي والتربوي يستند على الدليل الفطري البسيط، فالنفس مجبولة على حب الكمال والسمو، والمنهج المادي واللهث خلف الجاه والثروة لا يحقق للإنسان راحة البال والهدوء النفسي والسعادة المنشودة، وإنما الرقي ورفعة الشأن تكون بعظمة الذات وامتلاكها للنزاهة والكرامة والتواضع في التعامل مع الناس، كما أن الوعي الفكري وتغذية المدركات العقلية بالمعارف يحقق للفرد نموه وازدهاره وتكامل شخصيته، وهذا بالضبط الدور الذي كان يعمل عليه الرسول الأكرم ويؤديه في الأمة لتتكامل شخصياتهم، وينتشلهم من وحل الموبقات والعيوب والرذائل المنتشرة بينهم وكأن عقولهم قد غيبت فلا يدركون عواقبها الوخيمة عليهم!!

وأعظم بأسلوب رسول الله ﷺ في التوجيه والدعوة إلى التوحيد والفضيلة بالحكمة والموعظة الحسنة، فكل من يدخل في دين الله تعالى كان يتم ذلك بقناعة عقلية مبنية على البرهان، مبينا لهم حقيقة الجهل والضلال العقائدي بعبادة الأصنام تاركين توحيد الخالق المبدع، ونقلهم من حياة الدعة والشهوات المتفلتة وارتكاب الموبقات والرذائل، إلى حياة الكرامة والاستقامة ونزاهة النفس وترفعها عن الملذات المذلة، وأقام ﷺ مظلة الوحدة بين المسلمين فمزقت دعوات الطبقية والعنصرية وأصبحوا بنعمة الله إخوانا متحابين ومتآلفين، لا فرق بينهم إلا بالتقوى والخوف من الله عز وجل وحقوقهم متساوية ومحفوظة.

وتلك التعاليم الإلهية والأحكام الشرعية التي جاء بها النبي ﷺ تكفلت بحفظ مصالح الإنسان وحفظه من الضرر والأذى، ونظم علاقات الناس وفق الاحترام وحقوق الأفراد تحت مظلة التعايش والسلام، ودعاهم إلى التكافل والتكاتف والدعوة إلى عمل الخير وصنع المعروف وتفقد أحوال الآخرين، ودعاهم إلى ما يحفظ العلاقات الاجتماعية من آفة الخصومات والمشاحنات والقطيعة، وهو روح التفاهم والتسامح والصفح عن الإساءة وتطهير القلوب من الكراهية والأحقاد، وينمي فيهم ﷺ يقظة الضمير والنباهة أمام المنزلقات كالمعاصي والأفعال القبيحة.

لقد كان رسول الله ﷺ في أعلى درجات الكمال والطهارة النفسية، كيف وهو أفضل الخلق وأصقلهم معدنا وأشرفهم نفسا، كان مجمعا للفضائل وتجسيدا للتعاليم القرآنية، يزين تعامله التواضع واللين والسماحة والحكمة والصبر الجميل والصفح عمن أساء له.