آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

هل في القرآن أخطاء إملائية؟!

زكي بن علوي الشاعر

كتب إليَّ أحد الإخوة، يسألني سؤال من يُلَمُّ مما كتب أن له فيما يسأل عنه رأيًا، فأجبته، ونصحته أن يتلافىٰ - وهو معلم قديم - ما يرد في كتاباته وأشعاره من أخطاء إملاءً ونحوًا، ففوجئت به يكتب:

لا يهمنا الإملاء؛ فهي قواعد مستحدثة!! القرآن يقول «كذا!»: ”الصلوة“، ويعني «الصلاه».. كذا! ويفتح التاء المربوطه «كذا!»؛ أليس هٰذا خطأً في نظرك؟!

وكلام هٰذا «الأستاذ» ينطوي علىٰ غلط ومغالطة، إن لم تكن غلطًا هي أيضًا!!

أما الغلط، فهو: أن في رسم المصحف أخطاءً.

وأما المغالطة، فهي: أن لا بأس بإهمال قواعد الإملاء؛ لأنها لم تكن معروفة، عند كتابة المصحف، واستحدثت بعدئذ.

ولأبدأ بالكلام عن ظاهرة خطيرة في مجتمعنا القطيفي وغيره، من مجتمعات الشيعة.

بعد تمكن الناس من استخدام الشبكة العنكبية، وانتشار الكتب الشيعية التي لم تكن معروفة، إلا عند قليل من العلماء، وسهولة البحث باستعمال الكلمات المفتاحية، وافتتاح قنوات فضائية شيعية كثيرة جدًّا، ظن كثير من العامة أنهم باحثون في العقائد والفقه، وفي كل علم وفن، لا لشيء، إلا لأنهم يستطيعون استخراج بعض ما يتعلق بموضوع من الموضوعات في علم من العلوم، أو فن من الفنون.

وقد يعثر هٰذا الباحث «العابث بما ليس من فنه أو شأنه»، برأي من الآراء التي لا وزن لها، فيروقه ويعجبه بريقه، دون أن يشعر بأن العبث بمثل تلك المسائل العلمية من أعظم الأخطار.

وصرنا نسمع ونقرأ كثيرًا «رأيي - رأينا - أنا أرىٰ - نحن نرىٰ في هٰذه المسألة كذا وكذا»، ولربما كان ذٰلك الرأي مما لا وزن له، ولا قيمة، ولا طائل من ورائه، ولا جدوىٰ.

وإن أمثال هٰؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون كثر، وإن من يغر بهم لأكثر، ممن يصدق عليهم أنهم ينعقون وراء كل ناعق.

وإن تسأل أحدهم: ”لم تقول مثل هٰذا القول؟“، يجبك: هٰذا من هدي محمد وآل محمد صلوات الله عليهم!!

عجبًا!!

صار العامة ومن تخرج في المدرسة أو الجامعة - دون أن يتقن القراءة والكتابة أو يحسن فك الخط - يستدل لنا في هٰذا الزمن التعس، بأقوال محمد وآله صلى الله عليهم!!

إن العلماء والفقهاء يجلسون تحت منابر البحث العالي سنوات كثيرة، حتىٰ يفهموا أقوال محمد وآله - صلوات الله عليهم - وهٰذا الذي لا يحسن قراءة ولا كتابة يستدل بتلكم الأقوال، وقلَّ أن يشرح شيئًا عند استشهاده واستدلاله؛ لأنه لا يدري ما يقول، ولا يعلم أين هو؟!

بعد نفثة المصدور هٰذه، أقول:

هٰذا المعلم الذي غلط وغالط - أو غلط - يزعم أن في المصحف ورسمه أخطاءً، ولا إخال إلا أن تيار لندن وغيرها المتشايع صادر عقله وألغاه، وأوهمه أن في رسم المصحف أخطاءً وأغلاطًا.

وما هٰذه الدعوىٰ من هٰذا التيار المتشايع، إلا دغدغة لعواطف العامة الذين لا يدرون أنهم لا يدرون!!

إنهم يريدون أن يفهموا أولٰئك المساكين أن عثمان بن عفان ومن حوله قد عبثوا بالمصحف عند تدوينه!!

ولا أريد الخوض في قضية جمع القرآن وتدوينه، فالكلام فيهما يطول، والخلاف فيهما لن يزول، إلا عند ظهور قائم آل الرسول.

وأريد أن أقول: إن علماء رسم المصحف قد وجهوا - بما وسعهم - ما يظن العامة أنه خطأ، وقالوا: إن كتابة «الصلوٰة» بالواو إشارة إلىٰ أصل المادة، أو إلىٰ وجود قراءة أخرىٰ أحيانًا هي: الصلوات، ولا ينافي ذٰلك كتابة تاء «الصلوات / الصلوة» بتاء مربوطة؛ لأن من العرب ومن القراء من يقف علىٰ ما كتب بالمربوطة بتاء، ومن يقف علىٰ ما كتب بالمبسوطة / المفتوحة بهاء.

والوقف - إجماعًا - علىٰ ما كتب بتاء من قبيل «امرأت» و«رحمت» وغيرهما بالتاء، والوقف علىٰ ما كتب منها بهاء ك «رحمة» و«امرأة» بالهاء، إجماعًا.

وأضيف وجهًا أرىٰ له قوة في كتابة الصلاة بواو، وهو أن كتابتها بالواو فيه إشارة إلىٰ تعظيم اللام وتفخيمها، ومن شروط القراءة الصحيحة: أن يحتملها رسم المصحف، كما يعلم أهل الفن، لا المستخرجو علمهم بالكلمات المفتاحية، دون أن يعوا ما ينقلون، وإنا لله، وإنا إليه راجعون!!

إن التهجم علىٰ رسم المصحف ليس من الصالح الإسلامي العام، وشأنه شأن اتهام الشيعة أو السنة بتحريف القرآن، أو ادعاء وقوع أخطاء لغوية في الكتاب العزيز؛ فإن كل ذٰلك يصب في مصالح الماسونيين ومنافعهم، فالحذر الحذر من ذٰلك كله، أيها المسلمون: شيعة وسنة!!

بقي أن أشير إلىٰ مغالطة «الأستاذ» بل غلطه، في أن لا بأس بالخطأ في الكتابة إملاءً؛ فإن الأخطاء موجودة في رسم المصحف!!

والجواب عليه قصير جدًّا، وهو:

لماذا لا تصحح أنت وتيارك المتشايع تلك الأخطاء؟ ولم تقتدي بمن زعمت أنهم أخطأوا قبل استحداث قواعد الإملاء المعروفة اليوم؟!

أخيرًا...

أدعو وزارات التعليم في بلادنا وغيرها، إلىٰ أن يختاروا معلمي اللغة العربية، خصوصًا في المرحلة الابتدائية التي عمل فيها أمثال هٰذا «الأستاذ» طويلًا، فخرجوا هٰذه الأجيال الأمية علىٰ مستوىٰ فك الخط، وليس علىٰ مستوى القراءة النقدية فحسب.