آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

كتاب «في ذكرى آية الله السيد محمد علي العلي - سيد الشعائر»

علي عيسى الوباري *

الإنسان هو علامة المكان والزمان الذي يوجد العلاقة بينهما، يبرز معالم وآثار المواقع بما يفعله، يقيم المناسبات ويرسم هوية الاماكن ويساهم في صناعة التاريخ الاجتماعي. الكتابة عن الشخصية الفاعلة وصانعة الحدث هي قراءة مجتمع كامل بكل احداثه وقضاياه وكلما تميزت الشخصية بأفعالها تركت آثارها بالمجتمع وتعلق به افراده لأنها مساهمة في تكوين هويته بل احيانا تغير ثقافته وتعيد صياغة شخصيته، هكذا هم القادة الذين تركوا تعاليمهم وافكارهم تحيي المجتمع وتلهب مشاعرهم، لكن بعض الشخصيات الفاعلة صور متكررة لما قبلها وبعضهم يغير بشكل طفيف.

في المجتمع الاحسائي المحافظ من الصعب التغيير الجذري ليس لأنه غير قابل للتغيير ربما لأن المجتمع اقتنع بهويته ويرى ثقافته هي المؤثرة لما يمتلكه من قيم وموروثات اجتماعية وتاريخية، من الذين شكلوا هوية المجتمع الاحسائي علماء الدين والشيوخ والفاعلين اجتماعيا واقتصاديا.

طلاب العلوم الدينية ليس بالضرورة يحكم عليهم قادة دينيا واجتماعيا الذين يحدث تغييرا بالمجتمع لكن المحافظة على ثوابت المجتمع وصيانة معتقداته وهويته الدينية في ظل متغيرات اجتماعية وثقافية وفكرية تنقلها وسائل الاعلام والوسائط التقنية، يعتبر القائم بها متصدي وحامي للمجتمع.

في كتاب المهندس عبدالله البحراني «في ذكرى آية الله السيد محمد علي العلي - سيد الشعائر» من جزأين فيه جهد كبير وتنوع مصادر بين اشخاص وكتب ودراسات وصحف عربية وذكر بمقدمة الكتاب احد دوافعه للكتابة عن السيد محمد علي، هم الوفود التي جاءت في جنازته وحب الناس لهذا الترابي المتواضع.

المهندس عبدالله بالرغم من تخصصه الهندسي لكنه حبه للتراث والموروث الاجتماعي الاحسائي جعله يتجه بعد تقاعده للكتابة وربما قبل ذلك لكن تفرغ لكتابة ما يحبه ويهواه وهو من القلائل الذين استثمروا اوقاتهم في منفعة المجتمع وسعى لتطوير هوايته بالقراءة بالبحث والتأليف والتوثيق إلى الآن، قام بتأليف 3 كتب وقدم بعض محاضرات عن تاريخ المبرز في بعض جوانبها التاريخية.

كتاب ذكرى آية الله محمد علي العلي للبحراني استخدم فيه البحث العلمي المفيد بذكر مقدمة ونبذة عن التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والعلمي بالاحساء والظروف المختلفة التي عانوا فيها الآباء والاجداد، هذه المقدمة والوصف الموجز اعطت انطباعا عن جهود مميزة للمؤلف، وبمقدور القارئ يقارن بين زمن متسم بالرفاهية وبين عصر عاشوه الاوائل ظروف صعبة، تميز طالب العلوم الدينية بتغلبه على الظروف المعيشية المزرية من اجل التحصيل العلمي، وهذا ينطبق على سيد الشعائر آية الله السيد محمد علي العلي الذي توارث العلم الديني من آبائه واجداده وعاش زمنا صعبا بظروفه الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

آية الله السيد محمد علي العلي رحمه الله من الشخصيات الدينية المعاصرة التي عاصرت اجيالا، عاش في زمن الفقر والحياة الصعبة وعاش زمن الطفرة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي شاهد اجيال مختلفة وبظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية متفاوتة اكسبته تجارب حياتية، استطاع قراءة الواقع ومقارنته بنا قبله خصوصا أنه عاش ما يقارب 30 سنة بالنجف الاشرف بالعراق التي سبقتنا بظهور تيارات فكرية وصراع ثقافي كان شاهدا عليها.

من يقرأ سير علماء الدين في مجتمع متدين ومحافظ بعاداته وتقاليده وغالبا الحوزويون غالبا يتشابهون في مسيراتهم العلمية وعطاءاتهم الدينية وخدماتهم الاجتماعية، فمحطات حياتهم تتصف بالدرس الحوزوي والدعوة والارشاد والاصلاح الاجتماعي، ولا نقول هذا من باب التقليل لكن هذا توصيف.

لكن السيد مع الادوار التقليدية قام بأدوار مميزة مثل التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني الحديث واقتراحه واصراره على إعادة فتح الحوزة عام 1397 هـ جري واهتمامه بالشعائر وكل ما يتعلق بذكرى الأئمة المعصومين ، لفت نظري بالكتاب بعض المحطات المضيئة في شخصية السيد محمد علي العلي، منها جعل الشعائر الحسينية منطلقا للعمل الخيري صفحة 133 ”استطاع أن يربط المجتمع بالعمل الخيري عبر الشعائر وبأهل البيت“، وتشجيع الشباب لخدمة الناس والمجتمع وجعل من المناسبات الدينية اماكن للتعارف وتغيير تدين الشباب إلى مفهوم متحرك ميداني يخدموا المجتمع في مجالات عديدة تعليمية واقتصادية واجتماعية، قام بنفسه بدعم جمعية البر فرع الشعبة معنويا وبجمع التبرعات وحث رجال الاعمال بالدعم المالي.

النقطة الثانية الملفتة بالكتاب أولوياته في المحافظة على الشعائر واحتواء المجتمع وخصوصا الشباب الذين عصفت بهم بعض الاحداث وتأثروا بقضايا والاجتهاد والتقليد وازمة الاعلمية، فالسيد كان العالم الديني والقائد الاجتماعي الذي يؤمن بأن السلم الاجتماعي هدف بذاته لاستقرار المجتمع واستمرار المآتم والمحافظة على تلاحم المجتمع ليبقى منسجما وسط تهديدات وهجمات عقائدية، فالعمل بالأولى والترجيح بين ما هو مهم واهم هي من سمات القائد الناجح.

كذلك عجبني ما ذكره المهندس عبدالله بكتابه بصفحة 139 ”القدرة على الفصل بين الملفات“، حيث يستطيع العمل مع اكثر من ملف ومع اكثر من اعضاء فريق"، بدون شك تعدد الملفات يعني تعدد مواضيع وقضايا واشخاص مختلفون في مستوياتهم العمرية والتعليمية والثقافية، هذه تذكر للسيد محمد علي العلي رحمه الله في صفة التوفيق والعمل بين عدة ملفات ومرونته بالعمل مع شخصيات متنوعة بصدر رحب.

من ضمن مبادراته المتنوعة إقامة ورعاية الاحتفال بمواليد الأئمة المعصومين في عدة مدن وبلدات بالاحساء ومشاركته في المناسبات الدينية والاجتماعية.

جمع آية الله السيد محمد علي العلي بين المساهمات الدينية والثقافية والاصلاح الاجتماعي والاهتمام بالكتابة والتأليف منها «هذه فاطمة الزهراء» في مجلدين «البكاء على الحسين» و«الاربعين» ديوان شعر، ومن اهم مؤلفاته «في طريق الاستنباط» وهذه محطة مميزة في مسيرة السيد محمد علي العلي لأن الكتابة والتأليف عند الشيوخ والعلماء الذين سبقوه وبعمره بالاحساء قليلة.

ذكر المؤلف في صفحة 175 بعض صور تواضعه الجم ومبادراته بزيارة الآخر المختلف معه حتى لو كان اصغر منه سنا وهذا يدل على التصالح مع الذات وانعكاسه على سلوكه في المجتمع مما اكسبه حب الناس وهذه تكسبه قوة اجتماعية.

ذكر المؤلف بآخر الكتاب بعض شهادات شيوخ وناشطين في حق السيد بصفحة 255 ومن بعض ماذكروه أن السيد محمد علي العلي متواضع ومحبوب ومشارك في القضايا الاجتماعية، مقبول من الجميع وكلمته مسموعة ومحترمة، ويحب التطوير والتجديد في العمل الإداري والاجتماعي.

ايضا ذكروا حماسه لنشر وتعميم الشعائر الحسينية وجعلها تنطلق من الاطفال والشباب لأنهم يمثلون القاعدة القوية لترسيخها في الاذهان، يذكر احد المعاصرين له يقوم السيد محمد علي العلي بدور الشاعر والمشرف والمرشد والمعلم والرادود والناعي، استحق كما ذكر الشيخ حيدر الدوخي لقب ”سيد السعائر“.

برحيله ترك فراغا كبيرا بالمجتمع الاحسائي.

نقاط حول الكتاب:

  • الكتاب من جزأين
  • اهتميت بقراءة الجزء الاول لتغطيته سيرة آية الله السيد محمد علي العلي
  • مقسم بعناوين بشكل مريح للقراءة، كل موضوع لا يزيد عن 3 صفحات
  • سرد عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعلمية بالاحساء
  • ذكر علماء وشيوخ احسائية لها ادوارها وانشطتها
  • ذكر احداث ومناسبات دعمت الكتاب تاريخيا
  • خصص قسم عن تأسيس الحوزة وتوقفها وانبعاثها وتطويرها
  • تضمن الكتاب بعض الشعائر التي تقام وقام السيد برعايتها وزيادة تنظيمها
  • تعدد مصادر الكتاب
  • ربط محتوى الكتاب باحداث مهمة تأثرت بها الحوزة العلمية
  • تضمن الكتاب بعض شعره
  • احتوى الكتاب على شخصيات مميزة تشهد في جهود السيد محمد علي ومساهماته المتعددة.
‏مدرب بالكلية التقنية بالأحساء،
رئيس جمعية المنصورة للخدمات الاجتماعية والتنموية سابقا.