آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

موائد نبوية

ليلى الزاهر *

ما أن تفصح عن توجهك لزيارة حبيب قلوبنا محمد ﷺ حتى يقصدك الجميع بحملالسلام لجماله وجلاله، فذكره العطر يتردد في مشاهد الحياة بين مشرقها ومغربها.

إننا إذا بحثنا عمّا خلفه الرسول الكريم من إرث أخلاقي وسيرة عطرة سوف نرى أنّه كفيل بإنشاء جيل يترجم المعاني الحقيقية للوجود الإنساني، فأثره ﷺ مُخلدٌ في كل مكان؛ في الأسرة، في التربية، في المعاملات المالية والاجتماعية والاقتصادية، في تقاليدنا وأعرافنا الأصيلة.

من له كسهم محمد ونصيبه في الإنسان الحقيقي؟! فلا عجب أن تجوع الدنيا إلى موائدك النبوية كلّما امتلأت طرقها بموائد شتّى لاطعم لها، لأنك تمتلك حق الصدارة على جميع الأنبياء والرسل، بل وجميع الناس.

ومن هنا كان للرسالة المحمدية وزنها الذي تحدى به رسولها جميع العالم وحمل على عاتقيه مسؤولية أرواحٍ مؤمنة مااتسعت قلوبها إلّا للإيمان بالله تعالى وحده، وإليه يعود الفضل في انتهاء عهود الوحشية المظلمةوما طوت من أزمنة اختفت معالمها وبقيت آثار خطوات محمد مرسومة فوق ترابها.

حارب محمد وصارع العقول المثخنة بالشرك والضلال ومازالت ضرباتهم تُسدد له ﷺ ولكن ظلّت الشمس الصافية تعكس آراءً لبّت نداء الفطرة السليمة وأخذت تقدّم الرسول محمد الإنسان أمام العالم وتلتقط صوره التاريخية وبيديه معول قويّ يحصد رؤوس مناة والعزة وهبل فيجمع أصحابها بقايا حطامها القابع تحت أستار الكعبة ويعودون أدراجهم صوب الخزي والهوان الذي أحدثه محمد بهم، ومرة أخرى هو الأب الرحيم يعبر بهم بحور الوثنية نحو شواطئ أمان الإسلام مسجلا بصمة رائعة تصف الرسول الرحيم والأب الحاني، فشهد له بذلك الغريب قبل القريب.

يقول واشنجتون إيرفنج:

«كانت تصرفات الرسول ﷺ في أعقاب فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل لا علىأنه قائد مظفر؛ فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو»

والجدير بالذكر أن زمانا عاش به النبي الكريم هو أفضل الأزمنة على الإطلاق ولو ترك لنا الزمان فسحة حتى نحظى برؤيته لتسابق الفن وأهله في رسم عمل راقٍ يخاطب الجمهور العالمي فتُثار أجملالمشاعر الإنسانية وتُجمّل الساحة الإسلامية احتفاءً بميلادك.

وفي واقع الأمر أنّ أيّ إنسان لابد له من يوم ميلاد ويوم رحيل ولاخلود لنا بعد الميلاد وإذا كان لابد أن نقف عند أعتاب الحياة فيوم ميلاد رسول الله كان يوم انطلاق لحياة جديدة، يوم ميلادك سيدي يا رسولالله هو ميلاد للأرض بحلّة قشيبة، لون الشجاعة الأرضية التي تمكنت من مجابهة صنوف الجهل والظلم ونثرت ملامح الفرح بأودية العلم، ونبذ الظلم جانبًا.

يقول الباحث الأمريكي سنكس:

«ظهر محمد بعد المسيح بخمس مئة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصولالأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة»

لذلك فقد تقاربت النفوس منذ انبلاج نور محمد واختفت الفوارق، واجتمعت القوى البشرية تحت جناح قائد عظيم استطاع أن يُحدث انسجاما مدهشًا بين العقول. فاختلط الفقير بالغني والحر بالعبد وغدت الأمة جسما واحدا يجمع أشتاتا يُشار لها بالبنان «أمة محمد».

تباشر القوم بميلاد محمد وظهر ذلك الطفل الصغير في أحلامهم، وكان استطراد البشارات أبعد من المكان والزمان. إذ تسابق اليهود والعرب في كشف غطاء نور محمد

فقد كان يهودي من سكان مكة يعمل تاجرا فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله ﷺ قال فى مجلسمن قريش: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟

فقال القوم: والله ما نعلمه.

فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل واحد منهم أهله، فقالوا: قد والله ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدا.

فانطلقوا حتى أخبروا ذلك اليهودي الخبر، قال: فاذهبوا معي حتى أنظر إليه، فخرجوا به حتى أدخلوه منزل آمنة فقالوا:

أخرجى إلينا ابنك فأخرجته، وكشفوا له عن ظهره، فرأى علامة النبوة فوقع اليهودى مغشيا عليه، فلما أفاق قالوا له: مالك ويلك؟

قال: قد ذهبت والله النبوة من بنى إسرائيل، فرحتم بها يا معشر قريش، والله ليسطونّ بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب.

كلّ يوم يمضي، وكلّ عام تتجدد فيه ولادة نبينا محمد ﷺ نشعر بفخر محمديّ يسكن القلوب، ويجبرنا الشوق لرسم تلك الملامح النورانية فعسى الله أن يرزقنا صحبته، ويتوفانا على ملته، ونلتقيه على الحوض الشريف.

ويظلّ قلمي يخونني كثيرًا لأنه لايفي بحق رسولنا الكريم، ولابحجم رسالته السامية التي شقّت الأرض جمالا محمديّا ونورا هاشميّا.

هاهو قلمي يظهر عجزه عن الوفاء لسيد عظيم، ما ألبثُ أراه منحنيا لجمّ الفضائل، وسمو الخصال.

يخاطبني قلمي قائلًا:

في الحروف حركة ومع حركتها سجّل الكثير من الكتّاب أفكارا هادرة وأحاسيس جميلة تتحدث عن معجزة إبداع محمد التي لاحصر لألوانها الجذابة ولن تنضب منابعها ومجاريها الرقراقة.