آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:08 م

لماذا كل ما تعرفه عن التوحد غير صحيح!

عدنان أحمد الحاجي *

لماذا كل ما تعرفه عن التوحد غير صحيح: توحدية وباحثة في التوحد تناقش التوحد من منظور النموذج الاجتماعي للإعاقة

محاضرة للدكتورة جاك دن هاوتينغ في تيدكس جامعة ماكروي Macquarie

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 305 لسنة 2021

Why everything you know about autism is wrong

Jac den Houting

TEDx Macquarie University

نحن نعلم أن الأرض كروية. كل ما نفهمه عن هذا الكوكب يرتكز على الافتراض الأساس بأن الأرض كروية. لكن كان الاعتقاد قبل زمن ليس بالطويل، بأن الأرض مسطحة. هذه النقلة التي تدعى بالنقلة النوعية في التفكير غيرت افتراضاتنا الأساسية عن الأرض، لأن لدينا براهين تظهر أن افتراضاتنا السابقة كانت غير صحيحة. تمامًا كالافتراض حول شكل الأرض، هناك افتراضات حول التوحد أيضًا.

معظم الناس يعرفون التوحد من خلال الفرضيات الطبية. الأطباء يفهمون التوحد كحالة طبية واضطراب، بل يفهمونه على أنه مأساة. في البراديم «النموذج» الطبي، علمونا أن نعتقد أن هناك طريقة سليمة للتطور العصبي للأطفال، وأن هناك طريقة سليمة لعمل أدمغتنا، وهي الطريقة ”الطبيعية“، وأن أي طريقة للتطور غير ذلك هي طريقة غير سليمة ويجب أن تعالج وتُصحح. في عام 2011، عندما كان عمري 25 عامًا، تم تشخيصي بالتوحد، ولم يكن ذلك يمثل مأساة بالنسبة لي. 
وإنما بالعكس، كان ذلك أفضل شيء حدث لي على الإطلاق. معرفتي بأنني مشخصة بالتوحد جلب لي إحساسًا غامرًا بالارتياح. حياتي كلها، حتى تلك اللحظة، أصبح أخيرًا لها معنىً. منظوري عن نفسي تغير. لم أكن شخصًا فاشلاً بالرغم من تشخيصي بالتوحد. كنت ممتازة بالرغم من ذلك. بعد معرفتي بتشخيصي، قمت بفعل ما قد يفعله معظم الناس، بدأت بالبحث عن التوحد في محرك غوغل.

تدريجيًا، تقدمت من بحثي عن التوحد في غوغل إلي أن حصلت على درجة الدكتوراه في التوحد وأصبحت أنا بنفسي طبيبة، واليوم، أنا فخورة بأن أكون واحدةً من عدد متنامٍ من المشخصين بالتوحد علنًا يعملون على أبحاث التوحد.

لكن في تلك الأيام الأولى، لم أكن أدير مشروعًا بحثيًا متقدمًا، كنت أحاول فقط معرفة المزيد عن نفسي، ولقد فعلت ذلك. لقد وجدت سيلًا من المعلومات بخصوص هذا القصور «التوحد» الذي أعاني منه. التوحد يسبب قصورًا «عجزًا» في التفاعل الاجتماعي وعجزًا في التواصل وسلوكيات مقيدة ومتكررة وعجزًا في المعالجة الحسية[1] .

بالنسبة لي، لم تكن هذه المعلومات منطقية. معرفتي بأني مشخصة بالتوحد قد غير حياتي تمامًا للأفضل. كيف يمكن لشيء كان إيجابيًا جدًا بالنسبة لي أن يكون شيئًا سيئًا بالنسبة لغيري؟ لذا، عدت إلى البحث في غوغل، لكن هذه المرة تعمقت في البحث أكثر. لقد بدأت في العثور على معلومات عن التوحد التي لم يكتبها باحثون أو غيرهم من المهنيين، ولكن كتبها مشخصون بالتوحد بالفعل. اكتشفت شيئًا يسمى ”نموذج التنوع العصبي“ neurodiversity paradigm «انظر[2] ». نموذج التنوع العصبي هو طريقة بديلة للتفكير في التوحد. وهذا النموذج يصف التوحد كجزء من مجموعة من التنوع الطبيعي في التطور العصبي البشري. في أبسط صوره، التوحد هو طريقة مختلفة في التفكير.

تمامًا كالتنوع البيولوجي الذي يساعد في تهيئة بيئة مادية صحية ومستدامة، يمكن أن يساعد التنوع العصبي في تهيئة بيئة معرفية / ادراكية cognitive صحية ومستدامة. وفقًا لنموذج التنوع العصبي، لا توجد أدمغة سليمة أو غير سليمة. جميع أشكال التطور العصبي مقبولة بنفس القدر وذات قيمة متساوية. وبغض النظر عن نوع الدماغ، جميع الناس لهم حق التمتع بحقوق الإنسان الكاملة والمتكافئة وأن يعاملوا بكرامة واحترام. الآن، هذا المنظور يبدو كالترياق. معاملة الناس بكرامة واحترام... أمر منطقي. قد تتفاجأ لو علمت أن الطريقة الشائعة جدًا للتفاعل مع هذه الفكرة هي... ”لا أعرف، أعني، هذا قد يكون جيدًا بالنسبة لك، لكنه قد لا يكون مناسبًا للجميع. 


ماذا عن هذا الشخص؟

لديه توحد بالفعل. وليس مختلفًا فحسب؛ بل معاقًا أيضًا.“ حسنًا، ربما لا تتمكن أن تعرف عني من مجرد النظر لي، لكنني أعاني من الإعاقة أيضًا. أنا لست معاقةً بسبب التوحد، ولكن؛ أنا معاقة بسبب بيئتي. هذه نقلة نوعية أخرى في التفكير. الطريقة التي اعتدنا على التفكير بها في الإعاقة مستندة إلى نموذج يسمى النموذج الطبي للإعاقة. النموذج الطبي يفترض أن الإعاقة مشكلة تخص الفرد نفسه. النموذج الطبي يضع الإعاقة ضمن نفس المعاق، يعني ضمن نفسي أنا. على سبيل المثال، أنا أعاني بالفعل من مراكز التسوق. تعج بالأصوات المزعجة ومضاءة بأضواء ساطعة، ولا يمكن التنبؤ بها، فهي مزدحمة بالناس.


النموذج الطبي للاعاقة، [3] 

​مفاد النموذج الطبي هو إنني أعاني من مراكز التسوق لأن المشكلة تتمثل في الطريقة التي يعالج بها دماغي تلك المدخلات [الحسية] لأنني مشخص بالتوحد. لكن هناك طريقة أخرى للتفكير في ماهية الإعاقة. يطلق على تلك الطريقة: ”النموذج الاجتماعي للإعاقة social model of disability“. في النموذج الاجتماعي، الإعاقة تحدث عندما لا تلبي بيئة الشخص خصائصه الفردية. في النموذج الاجتماعي، لا ننظر إلى هؤلاء على أنهم ذوي إعاقة.


النموذج الاجتماعي للإعاقة [3] 

الإعاقة ليست شيئًا أحمله معي كما أحمل امتعتي. ولكن نستخدم كلمة ”أعاق“ كفعل. الإعاقة فعل وقع علي. المجتمع حولي هو من جعلني ”معاقة“. عندما أذهب إلى مركز التسوق، لا أعاني لأن هناك لدي شيئ غير سليم؛ أعاني لأن مركز التسوق مصمم بطريقة لا تلبي احتياجاتي. لو بدأنا في تصميم مراكز تسوق هادئة الأصوات وخافتة الإضاءة وقابلة للتنبؤ وغير مزدحمة بالمتسوقين، حسنًا، سأظل مشخصًا بالتوحد، لكن ربما لن أكون معاقًا بسبب مراكز التسوق بعد الآن.

كل ما نعرفه تقريبًا عن التوحد منبثق من أبحاث قائمة على افتراضات طبية ونموذج طبي. ننفق مئات الملايين من الدولارات، على مستوى العالم، كل عام على أبحاث التوحد. والغالبية العظمى من هذه الأبحاث تصور التوحد كمشكلة. أجريت مؤخرًا دراسة لمعرفة كيف استثمرت تمويلات أبحاث التوحد في أستراليا على مدار السنوات العشر الماضية. هذا ما وجدته. أكثر من 40٪ من التمويل ذهب إلى الأبحاث الجينية والبيولوجية، في محاولة لمعرفة لماذا المشخصون بالتوحد يبدون كذلك، وما إذا كان هناك طريقة لمنعه. نسبة 20٪ أخرى من التمويل خُصصت لبحوث تبحث في علاجات للتوحد، ومعظم تلك العلاجات تحاول إيجاد طرق جديدة لجعل المشخصين بالتوحد يتصرفون بطريقة عادية. ونسبة 7% فقط من التمويل خُصصت للأبحاث على الخدمات المقدمة لمساعدة المشخصين بالتوحد. لماذا هذا مهم؟ حسنًا، حوالي 1 من كل 50 شخصًا لديه توحد. حوالي 60٪ من البالغين المشخصين بالتوحد هم إما يعانون من البطالة المقنعة أو عاطلون عن العمل تمامًا. 87٪ منا يعانون من أمراض عقلية. الذين يعانون من التوحد هم أكثر عرضةً للانتحار بتسع مرات من عامة السكان. متوسط عمر المشخصين بالتوحد المتوقع يبلغ 54 عامًا فقط. ونحن نستحق أن نعيش أطول.

في عام 2012، اقترح باحث في التوحد اسمه الدكتور داميان ميلتون Damian Milton نظرية جديدة. أطلق عليها ”مشكلة التشاعر المزدوج double empathy“. وما اقترحه هو هذا: ربما لا يعاني المشخصون بالتوحد من عجز / قصور اجتماعي. ربما [نحن المتوحدون] نتعامل بشكل أفضل مع آخرين يفكرون مثلنا. ربما يتفاعل المشخصون بالتوحد بشكل أفضل مع آخرين مشخصين بالتوحد ويتفاعل غير المشخصين بالتوحد «الطبيعيون» بشكل أفضل مع غيرهم غير المشخصين بالتوحد «الطبيعيين». ربما الصعوبات التي نراها عندما يحاول المشخصون بالتوحد وغير المشخصين بالتوحد أن يختلطوا اجتماعيًا ليست بسبب أن المشخص بالتوحد يعاني من عجز / قصور اجتماعي، ولكن لأن كلا من المشخصين بالتوحد والطبيعيين غير جيدين في التواصل مع بعضهما بطرق تبدو منطقية للآخر. الآن، بالنسبة لمجتمع التوحد، هذه النظرية تبدو منطقيةً تمامًا.

لكن الكثير من الباحثين في التوحد لم يكونوا مهتمين جدًا بها. أعتقد أنهم ربما لم تعجبهم فكرة أن التاريخ الكامل لأبحاث التوحد قد يكون مرتكزًا على افتراضات خاطئة. لحسن الحظ، في العامين الماضيين، قفد التحق عدد قليل من باحثي التوحد بركب مسألة التشاعر المزدوج، وقرروا اختبارها علميًا.

في إحدى الدراسات الجديدة التي أجرتها الدكتورة كاثرين كرومبتون Catherine Crompton من جامعة إدنبرة، قامت هي وزملاؤها باختبار نظرية التشاعر المزدوج باستخدام مهمة تسمى ”سلسلة الانتشار / الإفشاء diffusion chain“، والتي نعرفها في أستراليا بالاسم غير الصحيح تقريبًا من الناحية السياسية للهمسات الصينية Chinese Whispers [الهمس في الأُذن]. الآن، أنا متأكدة أنكم تدرون عنها. أنت تهمس معلومة في أذن أحد الأشخاص وهو يهمس بها في أذن آخر وهكذا دواليك، واحد تلو الآخر حتى تنتهي إلى آخر شخص في المجموعة، وتحاول أن تحافظ على دقة المعلومة قدر الإمكان. ولو جربتها، فستعلم أن جزء الدقة في المعلومة صعب الحفاظ عليه جدًا. سيهمس الأول بعبارة صادقة تمامًا مثل، ”اليوم أحتاج إلى أن أدفع إيجار البيت واشتري إطارات جديدة للسيارة.“ لكن لو وصلت المعلومة إلى آخر شخص فستكون [غير ذلك تمامًا]". حسنًا، في إدنبرة، أجروا تلك اللعبة مع ثلاث مجموعات من المشاركين. 

المجموعة الأولى كانت جميعها من المشخصين بالتوحد.

أما المجموعة الثانية فكانت جميعها من غير المشخصين بالتوحد أو الطبيعيين. 

والمجموعة الثالثة كانت عبارة عن مزيج من مشخصين بالتوحد وطبيعيين. وجد الباحثون أن العبارة المهموسة وصلت الى آخر شخص في كل من مجموعة المشخصين بالتوحد ومجموعة الطبيعيين بدقة، لكن وصلت العبارة بشكل غير دقيق وغير واضح بشكل ملحوظ في المجموعة المختلطة من المشخصين بالتوحد والطبيعيين. يشير ذلك إلى أن كلًا من المشخصين بالتوحد والطبيعين يتواصلون بشكل جيد وبشكل متساوٍ [لو كانت كل مجموعة تتواصل ضمن أفرادها]. المشكلة تكمن في الاختلاف بين أسلوبي التواصل، تمامًا كما تنبأت نظرية التشاعر المزدوج.

نحن بحاجة إلى نقلة نوعية في الطريقة التي نفكر بها في التوحد. نحتاج أن ندرك أنه ربما ”التصرف بطريقة غريبة“ ليس أفضل مخرجات المشخص بالتوحد. نحن بحاجة إلى خدمات ودعم من شأنه أن يساعدنا على أن نعيش حياة طويلة وسعيدة ومرضية مع احترام حقنا بكوننا مشخصين بصدق بالتوحد. ونحن بحاجة إلى نوع الدراسات التي أعمل عليها: دراسات يقوم عليها مشخصون بالتوحد والتي يتجيب على أسئلة يريد المشخصون بالتوحد الإجابة عليها. الأرض ليست مسطحة ولا أمثل أنا كمشخص بالتوحد مأساة. شكرا لكم.

النص مترجم من محاضرة تيدكس لـ جاك هاوتينع

مصادر من خارج النص

[1] - https://ar.wikipedia.org/wiki/حساسية_المعالجة_الحسية

[2] - ”نموذج التنوع العصبي هو طريقة جديدة ومختلفة للنظر في التوحد والتنوعات العصبية المعرفية / الادراكية cognetuve البشرية الأخرى. هذا النموذج يؤطر التنوع العصبي على أنه مشابه للتنوع الجندري أو الأثني. مقاربة التنوع العصبي للتوحد تقدم نقدًا للخطاب المهني والأكاديمي السائد بشأن التوحد والذي ينظر إلى التوحد على أنه قصور، ويؤطر العديد من جوانب التوحد على أنها مرضية.“ ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.zurinstitute.com/clinical-updates/autism-and-the-neurodiversity-paradigm/

[3] - https://www.inclusionlondon.org.uk/disability-in-london/social-model/the-social-model-of-disability-and-the-cultural-model-of-deafness/

المصدر الرئيس

https://youtu.be/A1AUdaH-EPM