آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:55 م

أكف الدعاء ورثاء الصورة

أثير السادة *

جرت العادة بالأمس إذا مرض أحدهم أن يوصى قارئ الدعاء في تعقيبات صلاة الجماعة بالدعاء له، وقراءة آية“أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء”، فيرفع الناس معه أصواتهم متضرعين وراجين رحمة الله للمريض الذي يشار له غالبا بالمريض المنظور، وأحيانا يعمدون إلى خصه بالإسم إذا كان في حالة حرجة.

ولأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء في عرف أهل الدين، يتوسل أهل المريض هذه النوافذ المفتوحة على السماء طلبا لشفاء مريضهم، ورفع الضر عنه، يباركون جراحه وآلامه بصلوات المؤمنين وأيدهم المرفوعة بالدعاء، فمن لحظة الضعف البشري تولد كل أشكال اليقين بالفرج الإلهي.

هذا ما كان يحدث ومازال، غير أن الانترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي فتحت نافذة واسعة لتمرير فائض القلق الذي ينال أقرباء المريض، وفائض الأمل برفع الداء، ضمن إعلانات تشتهي الإخبار كما تشتهي ذهاب الوجع عن مريضهم، تبدأ بالإشارة إلى تلك اللازمة بأن فلان“يسألكم الدعاء”، ومعها صورة له إما على سرير المريض إمعانا في توصيف الحال ودفع المؤمنين للتفاعل ورفع الأكف، أو صورة شخصية تذكرنا بأن له في الحياة قميص مفتوح على عناوين الفرح.

لن يبخل“المؤمنون”بالدعاء له حتما، كما لن يبخلوا في إعادة تدوير الإعلان، رجاء الظفر بعدد أكبر من المتسابقين للدعاء لكشف الكربة عنه، ولأنها أصبحت عادة، سيشعر أهل المريض بالمسئولية عن توفير منصة للدعاء لمريضهم، سيحشدون الحروف والصور لتصلي له في تطبيقات التواصل، تماما كالشعور بواجب رعاية المريض والالتفاف حوله في ساعة الشدة، شظايا المرض ستتسلل مرات كثيرة من خلال الصورة التي ستنحاز إلى وصف الجسد المتعب، وكأنها دعوة لتسخين المشاعر، ومزج الدعاء بالحزن والقلق معا، جسد الصورة هو الجسر الممتد إلى بهو الأوجاع التي يراد لها أن تحرض على رفع الأكف للتضرع، أي أنها تصيّر الصورة لحظة معايشة كثيفة للألم، لتقبض على الأنفاس والعين والقلب وكل الحواس ساعة يخيفها سؤال الموت، ولحظات الضعف البشري عموما.

مؤكد أن دافع هذه الإعلانات هو المحبة أولا، والتضامن الاجتماعي ثانيا، غير أنها كمن يمشي بنا في طريق رثاء المريض، والسهو عن آماله في الحياة، صار الواحد منا يشهق كلما شاهد هذه الإعلانات، لأنها باتت توحي لنا بفقدان الأمل بالشفاء، والبحث عن الاحتمالات الربانية الأخرى، حدث ذلك كثيرا في يوميات كورونا، حيث امتزجت الدعوة بالدعاء باحتمالات الموت التي نالت من حياة الكثيرين ممن بلغوا مرحلة الحرج الصحي.. تماهت هذه الموجة من الإعلانات مع النهايات الحزينة، حتى كدنا نظن بأنها بيان ابتدائي عن قرب رحلة الآخرة!.

ستبقى الأكف المتضرعة في المساجد هي العنوان الأبرز للتضامن مع المريض، وما عداها فسيرة مربكة نذهب إليها بحكم العادة المستجدة، دون أن نلتفت إلى ما تنتهي إليه، وما تؤسس له، وما تتركه من ثقوب في ذاكرة الناس، ساعة تستوحش هكذا إعلانات لأنها تمحو المسافة بين الخوف والرجاء!.