آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 12:40 م

لهجة ”تجميع“!

أثير السادة *

يختار الباحث الدكتور محمد جاسم بن ناصر أن يختم معجم التعابير الاصطلاحية الكويتية، الصادر عن دار بصمة 2020، بملحق لرصد التعابير الدخيلة على اللهجة المحلية، وهي تعابير ”تجميع“ من مختلف الدول العربية، من قبيل ”يستعبط“ المصرية، و”يهايط“ السعودية، و”فديتك“ الإماراتية، وهو يحاول بذلك التذكير ببدائلها الكويتية، ضمن محاولته للحفاظ على التعابير الشعبية وتوثيقها والتشديد على بلاغة اللهجة الكويتية.

هذا الإصدار الثري بمحتواه يذكرنا بالتحولات التي لحقت بلهجة الناس عموما، بالأمس واليوم، فتارة عبر مؤثرات التلفزيون التي جعلت من النتاج المصري والكويتي بالدرجة الأولى، والسوري بدرجة أقل، يلقي بظلاله على لغة الناس وتعابيرهم اليومية، وتارة أخرى عبر متواليات الميديا الجديدة ومواقع التواصل التي دشنت مرحلة جديدة للغة هجينة، تغرف من كل نبع، وكل مكان، وكل حاضنة ثقافية عربية وأجنبية، حتى صارت ”كول“ و”أوكي“ و”هلو“ و”لول“ تؤثث أحاديث الناس في مواقع التواصل وخارجها.

في زحام التأثر بالبيئات الجديدة، غفلنا عن إدراك جماليات المحكية المحلية، وتشاغلنا عن تذكر الإرث الثقافي الذي قدمته هذه المجتمعات على شكل أمثال وتعابير مجازية تختزل خبرتها الثقافية والاجتماعية، حتى أضعنا اللغة العامية والفصحى معا، أو نكاد، وفيما كانت الدعوات لحماية الفصحى من زحف العامية، أصبحت اليوم الدعوات لجهة حماية اللغة بشقيها من التجميع وأشكال الهجنة التي أدخلت لغة الناس في كهف اللحن والركاكة والترقيع.

الأصوات التي تتهكم هذه الأيام على الاستخدام الفج للترجمات الرديئة للتعبير الانجليزي ”you made my day“ تذكرنا بطبيعة التحديات التي تنتظر لغة الناس في فضاءات التواصل، وما يتراكم فيها من نفايات اللغة في مكبات الانترنت، فحتى ”العامي“ يملك أن يكون فصيحا حين ينحاز إلى البساطة والسلالة في القول، ويختزل المعاني في أقل العبارات، غير أن ”العامية الجديدة“ ليست سوى حروف ومفردات وايموجات تتقاذفها أمواج التطبيقات الشهيرة.

هذا ما يجعلنا نتحسس رؤوسنا في يوم اللغة العربية، ونفكر جديا في تعزيز رصيد الأجيال القادمة من تراثها اللغوي، المحكي والفصيح، فكلاهما خزان من جمال وحكمة، وكلاهما عنوان حياة لمجتمعات تخشى عليها اليوم من انبهارها باللغات الأخرى ونسيان هذا الماء الذي ينساب بين كفيها.