آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

عن ”الفتوّات“ الجدد

أثير السادة *

تذكرون حتماً صور الصبية الأشقياء في الحي، تلك الوجوه التي تطمع بأن تمارس دور الشرطي والزعيم وكبير العصابة في الأحياء قديماً، ترى الواحد منهم يتفرس العابرين بعينيه، ويشير برفاقه لإيقاف من لا يدخل في مزاجه، أو لا يدخل في تصنيف ساكني الحي، هوايتهم فرز الناس بين صديق وعدو، وبين غريب وقريب.

كان هؤلاء الفتية يمتلكون الشعور بامتلاك الأرض التي يقفون عليها، وأحيانا الشارع، أو حتى الزقاق، شعورهم هذا هو ما يمدهم بالقوة غالباً، مع شيء من المغامرة وحب افتعال المشاكل. مغامراتهم مفتوحة على اتساع الجرأة التي تهبها كثرة العدد بالنسبة لهم، ما يجعل الآخرين من الصغار يعيشون عبء الخوف منهم، فيختارون طرقاً لا يقصدونها، ومحلات لا يركنون لها.

ربما توارت هذه الصور اليوم، ولعلها استقرت في البيئات الفقيرة، وجد الفتوات قنوات أخرى لتمرير شحنات التنمر فيها، والتلذذ بروح المغامرة والمشاكسة، كثيرون ممن سلكوا هذا الطريق بالأمس استدركوا في عمر باكر أو متأخر، بعد أن نثروا الرعب في الشوارع في سنوات الصبا، كلما شاهدت وجها من تلك الوجوه التي عرفتها صغيراً دار في رأسي شريط الذكريات، وشعرت بهذه المسافة بين الصورتين، صورتهم في زمن الفتوات وصورتهم في لحظات الأوبة.

ما يدهش أن تجد دور ”الفتوة“ حاضرا في مشاهد أخرى، خارج الشارع وداخل حدود الثقافة، في منصات الاقتصاد ودهاليز السياسة، هنالك من لا يشعر بالراحة لحضور الآخرين من المختلفين معه، فيمارس كل أفعال ”الفتوة“ والتي تشبه ”البلطجة“ بالمعنى الدارج في الوعي الشعبي، فتجد مثقفا لا تتأكد قيمته الثقافية إلا بطرد كل الناس من حرم الثقافة، ومسرحيا لا يهدأ له بال إلا بتسقيط ما سواه من التجارب المسرحية، وكاتبا يريد أن يحتكر الأرض والسماء، ويمنع الماء والهواء عن كل من لا يتماهى مع رأيه وفكرته.

بين فتوات الأمس وفتوات اليوم مشتركات كثر، منها اشتهاء تحقيق المكانة عبر تكثيف ألوان القسوة تجاه الخصوم، وممارسة الهيمنة والإقصاء، والعدوانية في السلوك واللغة، سعادتهم في إيذاء الآخرين، وكنس أي ظل لهم في المكان، لا يمكن الحوار معهم، ولا مجاراتهم في خصوماتهم، لأنهم يتلذذون بتحويل أحلام الآخرين إلى حطام، لأنهم ببساطة لا يرون في وجود الآخرين إلا جريمة بحاجة إلى تبرير!.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
محمد احمد
[ المملكة العربية السعودية ]: 29 / 12 / 2021م - 10:39 ص
مقال أكثر من رائع يصف واقع الحال وضيق الصدور وإن شئت فقل الحسد والحقد
2
ناصر جاسب
[ القطيف ]: 29 / 12 / 2021م - 11:08 ص
عموما في كلتا الصورتين لا يم الاستقواء الا على ضعيف الحال الذي لا حول له ولا قوة
او بمعنى اصح الانسان الهادء المهذب
(بالعامية)اللي يمشي جنب الحيطه
اما الحاضر بقوته في الصورتين يتم تجنبه والابتعاد عنه قدر الامكان