آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

من معين لطفك وعبق طيفك

حسين الماجد

يسمح لي تواضع أستاذنا المرحوم أن أدّعي أني عرفته منذ كنت في المرحلة المتوسطة رفيق درب لأخيه العزيز سمير؛ فهو يأبى أن ترى نفسك صغيرًا أمامه بما يملكه من سلوك رفيع وخلق جميل وتواضع لا يتقنه إلا من عبر خنادق الذّات إلى رحاب آفاقها العليا. كنّا صغارًا ثمّ كبرنا وكبرنا به ومعه ولكنّا لم نبلغ شوطه وإن سرنا أمامه مكانًا فهو إمامنا ومقتدانا؛ فهو أكبرنا مقامًا ومكانةً في القلوب.

هو سحابة خير وبركة، كنّا نستظل تحتها من لهب الهموم، ونشرب من قطرات نبلها ومسيرتها التي اتّسمت بلطف الكلمة وحصافة الرأي وصدق السّريرة والابتسامة الفوّاحة بعطر المحبة؛ فنعود والطمأنينة تملأ صدورنا، ومقصد الخير قبلتنا، والمعرفة زادنا... بعد أن أُغْلِقَتْ علينا سُبُلَ الاستسقاء، وضاعت معالمُ الطّريق...

فقدناه أخًا له معنى الأخوة فلا يحوجك إلى كلمة بعدها؛ فهو بحقّ معناها ومثالها الشّاخص التي ترنو إليه قلوبنا ونفوسنا، ويستطيب اللسانُ ذكرَه، ويستعذب السمعً قوله...

فقدناه أستاذًا لا تسوِّره وظيفةٌ ومدرسةٌ، ولا تقف رسالته عند جدرانها؛ فهو المعلّمُ الذي اتّخذ الأستاذيّةَ وسيلةً فلبس ثوبَها وأدى إليها حقوقَها فازدانت به، وسعى أن يرقى بها إلى حيث يجب؛ فبذل عمره وحياته في سبيل تربية جيل عارف بمكانة العلم، يرى المعرفة محرابه والأدب تاجه... وقد وفِّقَ إلى ذلك ولله الحمد؛ وهو زرع - إنْ شاء الله تعالى - لا ينقطع ثمره، ويأتيه رزقه حسنات يضاعفها له ربٌّ كريم رحيم به!!

رحمك الله يا عبدَ الله الصّالح في لطفٍ وخفاء هما من طبيعته وجزء من شخصيّته؛ فلا يكاد يُعرف لولا ما تفوح به سيرته ومسيرته من عطرٍ فيكشف عبقُه ودماثةُ خُلِقِه وخفّةُ ظلِّه، وسعةُ صدره، وبشرى ابتسامته، وإشراقةُ وجهه ما أخفاه من صلاح وإخلاص له عزّ وجلّ...

رحمك الله يا أبا علي؛ فما لك في القلب والنفس والروح من حبٍّ وودٍّ وشوق... أكبر من كلماتنا المكلومة بألم الفراق، والمخنوقة بعبرة الرحيل...

رحمك الله أيّها الأخ الطّيّب الذكر، الكريم النّفس. ونسأله تعالى أن يوفقنا إلى أن نؤدّي لك بعد وفاتك ما قصرنا عنه في حياتك؛ فلك علينا دينٌ عظيم بسعة ما كنت تحمله لمن حولك من حبّ وودّ، وبقدر ما قدّمته لهم من عطاء تريد به وجه الله سبحانه وتعالى، وبعلوِّ ما كنت ترمي إليه من أهداف نبيلة تنمّ عن إنسانيتك ورساليتك في صمت منبته التواضع وغياب الأنا...

رحمك الله تعالى يا أبا علي بواسع رحمته، وأحسن مثواك، وأعلى ذكرك، وغفر ذنبك، وأدخلك في عليين مع عباده الصالحين محمد وآله الطيبين الطّاهرين.