آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

الزهراء الحوراء الإنسية

لقد امتازت السيدة الزهراء بخصائص روحية وكمالية جعلت منها مخلوقا ذا طبيعة معينة قد عجنت بيد العناية والصناعة الإلهية، ولتلك النفحة الربانية غاية وهي توهج تلك الشمس المضيئة في فضاء القدوة الحسنة، حيث ترسل إشراقاتها الفضائلية بصورة جلية في فكر وجوارح وسلوك الناس المبتغين للتكامل الإنساني.

من تلك الامتيازات التي كانت للزهراء لم تكن في عالم الدنيا والتصاق الأرواح بالأجسام كبقية البشر وإنما لها خصوصية نورانية، فهي كانت في عالم قبل ذلك وهو عالم انعقاد النطف في لون لا نظير له وهو امتزاج نطفتها بنكهة الجنان، نعم السيدة الزهراء لؤلؤة من اللآليء الجناوية المضيئة كما أشارت لذلك الأخبار الذاكرة لتفاصيل معراج رسول الله ﷺ، حيث تناول الرسول الأكرم في تلك الرحلة من فاكهة الجنة فخالطت صلبه وانعقدت بعدها نطفة الحوراء الإنسية، وبلا شك فإن تلك الحادثة تنطوي على مضامين ودلالات تشير إلى نفحة إلهية خاصة استودعها الباري في من لديه استعداد وقابلية لتلقيها، وما نالته الزهراء من عظمة تميزها في أصل انعقاد نطفتها يدل على ما استودعه الباري في روحها وعقلها من معارف وقيم وأسرار لا تليق إلا بها. فالزهراء جوهرة إلهية مكنونة بتلك الإشراقات والمعارف التي تخط للأمة معالم ازدهارها وسلوكياتها المتألقة، وهذا بالتأكيد يتضمن الدعوة لاتخاذها نبراسا ومسارا في معالم حياتنا المعرفية والأخلاقية والاجتماعية، فما أثر من سيرتها الغراء وكلماتها النيرة يحمل مضامين عالية ينبغي طرحها في الكتابات والندوات، والتي يمكن من خلالها استخلاص الكثير من اللآليء وتضمينها كومضات معرفية وسلوكية تنتظم بها حياتنا وتتجه نحو القوة والاقتدار والتألق.

الزهراء وهي تتهيأ لدخول هذه الدنيا تلقفتها يد العناية الإلهية في ذلك العالم الخالي من كل تلوثات الشهوات والأهواء الإنسانية، هناك حيث معاقد الذكر والتسبيح والخشوع والخوف من الله تعالى كما هي عليه الملائكة، وهاهي تستعد هذه اللؤلؤة الجناوية لتستطع أنوارها على هذه البسيطة، نور يملأ ما بين الخافقين بالقيم والمعارف لتستقر في قلوب المؤمنين الطالبين للتكامل الإنساني، فهي الطاهرة من دنس الشبهات العقائدية والرذائل الأخلاقية التي أعدها الباري لتنشر معالم العفاف وحصافة العقل والطهارة النفسية، قد أشربت روحها آي القرآن الكريم فهما لعمقه ومراميه فجعلته منهجا حركيا على أرض واقعنا، والنفوس الطاهرة إذا أطلت على نافذة الزهد والحجاب الفاطمي اكتسبت منها القيم التي ترفع منها الشأن الحقيقي، حقا إنها نجمة متلألئة ترسل وميضها لينير كوكبنا الأرضي بمعالم الكمال الإنساني والرقي، كيف وهي سر من أسرار الوحي الإلهي ومعنى من معاني الرسالة المحمدية بما استودع فيها الباري من علوم ومعارف حقة تقبع في لب هذه الجوهرة ولا تبقى حبيسة عندها، بل تشع بكل المعاني السامية التي لفتها يد العناية الإلهية فعجنت بها طينة الزهراء .

الزهراء هدية السماء ولطف إلهي بنفوسنا القابلة للتلوث بالشهوات والابتلاء بالأمراض الروحية والأخلاقية، فكانت المتأسى الحسن الذي يشفي النفوس المتألمة ببلسم عطائها، وهي الراضية المرضية التي اندكت إرادتها وخطاها في الإرادة الإلهية المهيئة للبشرية للخروج من ظلامية الجهل والإرادات المنهارة إلى التحرر من أسر الشهوات، فتطلب النفوس كمالها بالسير في محراب العبادة وطريق الخير والصلاح وصنع المعروف والذي ترسم معالمه سيرة الزهراء ، فهي نسمة لطيفة مرت في دنيانا كطيف مشع متألق خلقت لتبقى في هالتها النورانية ليطلب المؤمن قبسا من نور فضائلها، فيعمل بكل جد واجتهاد لتكون معالم حياته الفكرية والسلوكية ساطعة بمضامين ومعارف الزهراء .