آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

ميزان التعايش

أثير السادة *

قبل يومين بالتمام، كانت أسعار العقارات بالمنطقة مفتاحا للحديث مع صديق قديم من أهالي الأحساء، وصف فيه ما يجري بالضفة الأخرى من الأحساء من ارتفاع حاد في أسعار الأراضي، كان الحديث يمضي باتجاه المقارنات ما بين هنا، أي في مخططات القطيف، وما بين هناك، حيث الموجة التي دفعت الأسعار باتجاه القمة تضرب بذات القوة المخططات الجديدة في الأحساء.

ما لفتني في هذا الرصد لتقلبات العقار هو إشارته المتكررة إلى الفارق في سعر الأمتار بين مخطط على تخوم القرى وبين مثيله من المخططات لدى الجماعة الأخرى، وهكذا يجري التشفير عادة في الحوارات العلنية، سيمضي صاحبنا للقول بأن مخططا لا يفصل بينه وبين المخطط الآخر إلا شارع وحيد، سيرتفع في قيمته إلى ما يقرب من الضعف للمخطط المقابل، لا لشيء، إلا لكونه الأقرب للقلب والجماعة والذاكرة وكل الأشياء التي يجري استثمارها حتى في لغة السوق.

هذه الهواجس التي تترك آثارها حتى على مؤشرات السوق هي ما تجعلني أقرأ باهتمام مقالة الناقد محمد الحرز بجريدة اليوم هذا الصباح والتي عنونها بنقد فكرة التعايش في المجتمع الأحسائي.. مقالة أراد فيها أن يدفع باتجاه إيجاد أدوات لقياس هذا التعايش، والذي لا ينكره ولا ينفيه، إلا أنه يشدد على كونه يعيش في سلوك الناس وليس في تمثلاتهم الثقافية.

برأي حتى المقالات المتكاثرة حول هذا الموضوع إعلاميا هي مؤشر على وجود قلق على هذا العنوان، والذي من المفترض أنه أساس العلاقة في أي مجتمع، ودعامة العيش المشترك بين الناس، الإكثار من الكلام حوله وعنه يعني بأن هنالك شكوكا تحوم حوله.. وبالتالي لا يمكن الاتكاء على قصائد الصحيح مثلا لإثبات صور التعايش، أو على مؤتمر يقام للتعايش في أطراف المدينة، وإنما بمطالعة مآلات هذا التعايش وصوره التي تتسلل عبر السياقات الاجتماعية والثقافية.

وأظن أن التمدد العمراني يمكن مطالعته كمؤشر على اضطرابات فكرة التعايش أو رسوخها، لأنها واحدة من أشكال التعبير في العلاقة مع الأرض من جهة، ومع الجماعة من جهة أخرى، فحتى محاولات التمركز الجغرافي في تخوم مدن أو قرى بعينها هو تعبير بشكل أو بآخر عن قابليات الاندماج، وتجاوز الاختلافات سواء الاجتماعية أو الثقافية أو حتى الاقتصادية.

ما زلت أذكر الدراسة الأكاديمية التي صدرت في منتصف السبعينات وهي تصف تمثلات الفوارق الاجتماعية والثقافية على الأرض، وتأثيرات العلاقة غير المستقرة مثلا بين البدو والقرويين في تشكيل جغرافيا المكان، ما بين كائنات تشدد على اتصالها بمسورات النخيل، وأخرى تطمع بمواجهة الصحراء والذي رسم ملامح مدينتي الهفوف والمبرز في حقبة السبعينيات.

هذا الوصف الذي تسلل إلى أدبيات الناس خلال العقدين الماضيين، وأصبح نافذة للتذكير بجماليات السلم الاجتماعي، وقيم المواطنة، بحاجة إلى اختبار لتمثلاته الثقافية، وقبل ذلك تحديد لحدوده وأدوات قياسه، لنكتشف معانيه، ونحافظ على قيمه، ونضع الأصعب على مواطن الضعف فيه.