آخر تحديث: 12 / 5 / 2024م - 6:12 ص

ما المراد بالتجلي الأعظم في دعاء ليلة المبعث الشريف؟

من الأعمال التي ينبغي بها ليلة المبعث هو دعاء: من الأعمال التي ينبغي بها ليلة المبعث هو دعاء: ”اللهُمَّ إنّي أسألُكَ بِالتَجَلّي الأعظَمِ في هذِهِ اللَيلَةِ مِنَ الشَّهرِ المُعَظَّمِ وَالمُرسَلِ المُكَرَّمِ أن تُصَلّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأن تَغفِر لَنا ما أنتَ بِهِ مِنَّا أعلَمُ يا مَن يَعلَمُ وَلا نَعلَمُ، اللهُمَّ بارِك لَنا في لَيلَتِنا هذِهِ الَّتي بِشَرَفِ الرِّسالَةِ فَضَّلتَها وَبِكَرامَتِكَ أجلَلتَها وَبِالمَحَلِّ الشَّريفِ أحلَلتَها اللهُمَّ فَإَنَّا نَسألُكَ بِالمَبعَثِ الشَّريفِ وَالسَيِّدِ اللَّطيفِ وَالعُنصُرِ العَفيفِ أن تُصَلّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأن تَجعَل أعمالَنا في هذِهِ اللَيلةَ وَفي سائِرِ اللَيالي مَقبولَةً وَذُنوبَنا مَغفورَةً وَحَسَناتِنا مَشكورَةً وَسيِّئاتِنا مَستورَةً وَقُلوبَنا بِحُسنِ القَولِ مَسرورَةً وَأرزاقَنا مِن لَدُنكَ باليُسرِ مَدرورَة....“

ما المراد بالتجلي الأعظم الوارد في هذا الدعاء الشريف؟

لعلماء الطائفة في ذلك أقوال ثلاثة:

القول الأول: أن المراد بالتجلي الأعظم في هذا الدعاء هو الوجود النوري لذات النبي محمد ﷺ، وتوجد شواهد على ذلك من الروايات الكثيرة والمستفيضة والمتواترة.

لقد خلق الله النور الوجودي لرسولنا الأعظم ﷺ قبل خلق الكائنات، فنوره ﷺ هو أول ما خلقه الله سبحانه وتعالى، عليه وآله قبل خلق الكائنات، ثم خلق منه كل خير، فكل شيء بعده هو من فضل نوره ﷺ، ولذا عبر عن ذلك بالتجلي الأعظم.

من الروايات في ذلك:

”عن جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله ﷺ: أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير.“ [1] 

وعن جابر أيضا قال: قال رسول الله ﷺ: ”أول ما خلق الله نوري، ابتدعه من نوره، واشتقه من جلال عظمته.“

روى جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله ﷺ: ”أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله....“ [2] 

القول الثاني: أن المراد بالتجلي الأعظم هو بعثة النبي ﷺ.

لقد كانت الأمم قبل البعثة النبوية تعيش ظلاما فكريا وروحيا، وهي بعيدة عن الله سبحانه وتعالى، فأخرجها الله سبحانه وتعالى ببركة الرسول الأعظم من ظلمات الجهل إلى عالم النور ببركة بعثة النبي ﷺ، فالله أظهر دينه، وتجلت مبادئ الإسلام وقيم السماء ببعثة رسول الله ﷺ.

لقد عبرت السيدة الزهراء عن ذلك الواقع المظلم الذي كانت تعيشه الإنسانية قبل بزوغ فجر الرسالة المحمدية:

”وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ، إذِ الْخَلائِقُ بالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأَْهاويل مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور، وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الْمَقْدُورِ. ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ.

فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ ﷺ ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ.“

فبما أن البعثة النبوية مثلت نقلة فكرية وروحية ضخمة في التاريخ الإنساني، فلذا هي تعتبر تجليا أعظم، كما تشير عبارات الخطبة العظيمة.

القول الثالث: أن المراد بالتجلي الأعظم هو ذلك المقام العظيم الذي المقام العظيم الذي وصل إليه النبي محمد ﷺ ليلة الإسراء والمعراج.

لقد وصل الرسول الأعظم في رحلة الإسراء والمعراج إلى مقام عظيم عبر عنه القرآن الكريم في:

«ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى» [3] 

لقد وصل النبي محمد ﷺ إلى نقطة مركزية لم يصلها قبله أي نبي أو رسول، ولقد تجلى الله لنبيه، حيث خاطبه مباشرة دون واسطة، فبدأ الله بمخاطبة محبوبه، وتجلى له لا بمعنى أنه شاهد الله سبحانه وتعالى ورآه، ولكنه سبحانه وتعالى خاطب نبيه مباشرة.

قال العلامة في تفسير سورة النجم:

”لكن هناك روايات مستفيضة عن أئمة أهل البيت ناصة على أن المراد بالآيات ليس بيان صفة كل وحي بل بيان وحي المشافهة الذي أوحاه الله سبحانه إلى نبيه ﷺ ليلة المعراج..“

وفي تفسير القمي، بإسناده إلى ابن سنان في حديث: قال أبو عبد الله : وذلك أنه يعني النبي ﷺ أقرب الخلق إلى الله تعالى وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما أسري به إلى السماء: تقدم يا محمد فقد وطأت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولو لا أن روحه ونفسه كان من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه، وكان من الله عز وجل كما قال الله عز وجل: ”قاب قوسين أو أدنى“ أي بل أدنى.“ [4] 

وفي تفسير الأمثل في تفسير سورة النجم:

”وأخيرًا وصل النّبي إلى السماء السابعة ورأى حجُباً من النور هناك حيث «سدرة المنتهى» و«جنّة المأوى» وبلغ النّبي هناك وفي العالم النوراني أوج الشهود الباطني والقرب إلى الله قاب قوسين أو أدنى... وخاطبه الله هناك وأوحى إليه تعاليم مهمّة وأحاديث كثيرة نراها اليوم في الرّوايات الإسلامية تحت عنوان الأحاديث القدسيّة، وسنعرض قسماً منها بإذن الله في الفصل المقبل.“

”وواضح أنّ تعابير مثل «فكان قاب قوسين أو أدنى» وأمثال ذلك إنّما هو كناية عن شدّة القرب، وإلاّ فإنّ الله ليس بينه وبين عبده فاصلة مكانية لتقاس بالقوس أو الذراع، و«الرؤية» في الآيات هنا ليست رؤية بصرية أيضاً، بل الباطنية القلبية.“

”ممّا لا شكّ فيه أنّ الرؤية الحسّية لله غير ممكنة لا في الدنيا ولا في الأخرى.. لأنّ لازمها جسمانيّته وماديّته، ولازم ذلك أيضاً تغيّره وتحوّله وفساده وأنّه يحتاج إلى الزمان والمكان، وهو مبرّأ عن كلّ ذلك لأنّه واجب الوجود.

إلاّ أنّ الله سبحانه يمكن رؤيته بالرؤية العقلية والقلبية، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين في جوابه على «ذعلب اليماني»: «لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان.

لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ الرؤية الباطنية على نحوين: رؤية عقلانية وتحصل عن طريق الاستدلال. وأخرى رؤية قلبية، وهي إدراك فوق إدراك العقل ورؤية وراء رؤيته!

هذا المقام لا ينبغي أن يُدعى بمقام الاستدلال، بل هو المشاهدة، مشاهدة قلبية باطنية، وهذا المقام يحصل لأولياء الله على درجاتهم المتفاوتة وسلسلة مراتبهم.. لأنّ الرؤية الباطنية هي على مراتب أيضاً ولها درجات كثيرة، وبالطبع فإنّ إدراك حقيقتها لمن لم يبلغ ذلك المقام في غاية الصعوبة.

ومن الآيات المتقدّمة بما فيها من قرائن مذكورة يمكن أن يستفاد أنّ نبي الإسلام ﷺ في الوقت الذي كان ذا مقام مشهود وفي مقام الشهود، فإنّه بلغ الأوج في طول عمره مرّتين فنال الشهود الكامل: الأوّل: يحتمل أنّه كان في بداية البعثة، والثاني في المعراج، فبلغ مقاماً قريباً من الله وتكشّفت عنه الحجب الكثيرة، مقاماً عجز عن بلوغه حتّى جبرئيل الذي هو من الملائكة المقرّبين.“ [5] 

وحيث أن المنزلة خاصة برسول الله ﷺ وتمثل مرتبة جدا من القرب الإلهي فقد عبر عنها بالتجلي.

وفي النهاية، ينبغي أن نقول أنه لا يوجد أي تعارض بين هذه الأقوال الثلاثة، فنور الرسول الأعظم هو تجلي أعظم، وبعثته ﷺ هي تجلي أعظم، والمقام العالي العظيم الذي وصل إليه ليلة الإسراء والمعراج هو تجلي أعظم.

[1]  بحار الأنوار / جزء 15 / صفحة «24»
[2]  بحار الأنوار / جزء 25 / صفحة «22»
[3]  سورة النجم: الأيات 8-10
[4]  تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي - تفسير سورة النجم
[5]  تفسير الأمثل لآية الله الشيرازي - تفسير سورة النجم
استشاري طب أطفال وحساسية