آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:55 م

وقوفا على تأويلات العنصرية

أثير السادة *

في واحدة من الطرائف التي تناقلها الناس على هامش حدث غير هزلي، وهو مقتل جورج فلويد المواطن الأسود على يد الشرطة الأمريكية، يخاطب أب عربي إبنه شارحا لماذا هذه المظاهرات التي تعم أمريكا، قائلا بأنهم يتظاهرون ضد العنصرية ”لأن الشرطة ذابحين لهم عبد“.. تختصر هذه الطرافة لنا الطريق إلى العنصرية المستترة في خطاب الناس، لغتهم وانفعالاتهم، تشير تحديدا إلى المفارقة التي تجعل من أفكارنا لا تطابق سلوكنا فيما يتعلق بالنظر للآخر، الآخر العرقي، الآخر الثقافي، الآخر الديني، أيا تكن التسمية، فهي تحدد الطرف المقابل لنا في هذا الوجود، وتقترح شكل علاقتنا به.

ليس سرا بأن هنالك صورا نمطية كثيرة تفضح تصورنا عن الآخر، وتصف ما نهبه من أوصاف تشدد على رقي جماعة على أخرى، فريق على آخر، لون على آخر، هذه الصورة تخترق خطاباتنا اليومية وتصبح لازمة حين الحديث عن الشعب الفلاني أو المهنة الفلانية، أو الجنس الفلاني، مرده أن هنالك تطرف في نظرتنا لذاتنا وفي تقييمنا للآخر، بعضه قادم من الموروث، وبعضه الآخر يجري تخليقه ضمن سياقات الخصومة الاجتماعية والثقافية والسياسية.

المراقبة المستمرة لأخلاقيات الإعلام الغربي خلال الأزمة السياسية الحالية هي ما يحرضني للتفكير في مفارقات هذا الخطاب الذي ينبري للدفاع عن كل القيم الأخلاقية وهو يدقق في المركزية العرقية في الخطاب الغربي، في الوقت الذي لا يملك التخلص من مفارقاته الأخلاقية التي تبدأ من أدب النكتة مرورا بالأمثال والتعابير الشعبية وصولا إلى لغة الإعلام التي لا تخلو من عنصرية صريحة أو مبطنة تجاه المختلفين معنا.

مراقبة الآخرين سهلة كما يبدو، لكن مراقبة أنفسنا وممارسة النقد الذاتي تبدو مسألة خارجة عن حدود الاهتمام، وحتى الموقف الأخير من تجليات الشعور بالفوقية لدى الأوربيين والتشديد على العرض الأبيض بدا وكأنه هجمة مرتدة ضد فريق أوجعنا طويلا بتقديمه الدروس في التحضر والتقدم واحترام حقوق الإنسان، أي أنها لا تحمل انتصارا لمبادئ إنسانية بقدر ما تمثل انتقاما لكل الوخز الذي عشناه ونحن نشعر بهذه التراتبية على مستوى السلم الحضاري معهم.

هذا الخوف من عودة أوروبا لمحطات مابعد الحرب العالمية الثانية هو ما جلب الارتباكات للخطاب الإعلامي الأوروبي وكشف عن قلقه لخسارة الكثير من مكتسباته والتي يرى بأنها نتاج ثقافة مشتركة، وذاكرة مشتركة، وما الإحالة إلى اللون إلا للتذكير على الصفة الغالبة لهذه الشعوب، والتشديد على سيادته ثقافيا.

والحاصل أن جينات الكراهية للون ما والتفضيل للون آخر حاضرة في معظم الثقافات، لكن هذا التفضيل إذا ما تجاوز التفضيل الجمالي إلى الاعتقاد بالتميز الثقافي والعرقي سنصبح أمام خوف حقيقي من عنصرية فجة تهدد ما أنجزته البشرية خلال عقود من الانتصار على التطرف العرقي، والتمييز العنصري.