آخر تحديث: 7 / 5 / 2024م - 5:52 م

صلاة الفجر ضياء ومكتسبات

التأكيد على أداء صلاة الفجر يحمل دلالات تبين مكانتها وخصائصها المتفردة بعا على غيرها من الصلوات، وعندما نقرأ عن كون هذه الصلاة معيارا يفرق بين المؤمن والمتكاسل وغيره نتعرف حينها على أهميتها، وذلك أن الاستيقاظ لها مع بداية جلاء ظلتم الليل وتسلل الخيط الأبيض للفجر يعد وقتا ليس بالسهل على البعض النهوض من المنام حينه، فضلا عمن لا يولي صلاة الفجر أي أهمية فيسهر ليله حتى إذا قارب وقت الفجر خلد إلى النوم، مع أنك تراه يستيقظ بقوة قبل موعد الدراسة أو العمل خوفا من المعاقبة والجزاء، وكأنه جعل ربه سبحانه وتعالى أهون الناظرين له فيخاف من عقوبة إنسان مثله ولا يتخوف من العقوبة الأخروية للمتساهلين في أدائها في وقتها قبل طلوع الشمس، ولا شك أن الاستيقاظ لصلاة الفجر يحتاج للنظر في عوامل التأخر عنها وأهمها السهر لآخر الليل، كما أن الجهل بقيمتها ودورها المحوري في استقامته وتكامله وتقربه من مولاه يبقيه بدائرة الجفاء والإهمال لها، وبالتأكيد فإن الشيطان الرجيم يشد همته بالعمل على تكاسل البعض عن أدائها في وقتها، وما أكثر الملهيات اليوم والتي غيرت موازين وأوقات الفرد، فمشاهدة ما في التلفاز من برامج تمتد لأوقات متأخرة من الليل، مما يؤدي إلى ترك الفرد لصلاة الفجر والنوم عنها، فما أسوأ حالنا إذ أصبحت الفرائض والواجبات الشرعية في أسفل درجة من اهتماماتنا، والأولوية والحرص يكون على أمور الدنيا وملذاتها حتى بتنا نعيش حالة من الغفلة والضياع!!

والأدهى والأمر أننا نجد في كتاب الله تعالى إلقاء مسئولية الدعوة للصلاة والاهتمام بشرائطها ومنها الوقت على رب الأسرة، قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِآلصَّلَوٰةِ وَآصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسَْٔلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَآلْعَٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ «طه الآية 132»، فإذا كان الأب لا يبالي بصلاة الفجر ولا يؤديها في معظم أوقات أيام السنة إلا بعد خروج وقتها «قضاء»، فكيف يمكنه أن يدعو أفراد أسرته للاهتمام بأداء الصلاة في أوقاتها وخصوصا صلاة الصبح، وهذه المسئولية يغفل عنها البعض ولا يضعها ضمن دائرة الواجبات المناطة به والتي يحاسب عليها يوم القيامة، والدعوة لإيقاظ الزوجة والأبناء لا يعني التعامل بمطلق الأساليب ولو أدى للتفوه بالألفاظ القاسية والنابية والتعامل بعنف، وإنما الدعوة لأداء الصلاة تنطلق في بعدها كبقية الأحكام الشرعية من الإقناع لا الإكراه، وهذا بالطبع يعني تحلي الوالدين بالأساليب التربوية والتعامل الحسن الممتزج بالمشاعر الحانية، كما يتحمل الوالدان مسئولية التقصير والإهمال لأبنائهم وصياغة شخصياتهم.

صلاة الفجر ليست بمجرد ورد طاعة ومفردة عبادة يسقط الواجب بأدائها فقط، بل تحمل معاني سامية وقيم عالية يكتسبها المصلي وتدفعه نحو العمل المثابر ونبذ الكسل، إذ أولى تلك المكتسبات هو تنظيم الوقت وفق الأولويات والاهتمامات والاستعداد اليومي لبذل الجهد والنشاط على كافة المستويات الحياتية، وشتان ما بين فرد يتعامل مع عامل الزمن بدقة واهتمام وبين من لا يوجد عنده منهج يربيه وينمي شخصيته، وكذلك من تلك المكتسبات وضع يوم الحساب نصب الاهتمام والاستعداد ونفض غبار الغفلة والتشاغل بملذات الدنيا، فصلاة الفجر تذكر باستمرار بحقيقة هذه الدنيا وانطواء سجل أعمارنا وتساقط أوراقه يوما بعد آخر، وهذا لا يدعو للخوف المرضي كما يدعي البعض وبث الرعب بين حنايا النفس، بل هو عامل تشجيع للفرد وتقوية شخصيته وذلك بفهم دوره الوظيفي في الحياة وهو العمل المثابر والتخطيط لأهدافه اليومية وما بعدها لا التكاسل والتعاجز، فنحن نلاحظ تلك التمارين لأفراد الجيوش المتمثلة بالتمارين الباكرة من وقت الفجر، وهذا يعني وجود سمة إيجابية تكسب الفرد الانضباط وتحمل المسئولية.

كما أن الآية الكريمة تتحدث عن الاصطبار وهو ذو بعدين يتمثلان بالاستعداد لصلاة الفجر والاهتمام بأدائها في وقتها، ومن جهة أخرى الصبر يتمثل بتمرين الأولاد على الاستيقاظ، فما أجمل تلك البيوت التي تصدح بذكر الله تعالى مع بزوغ أنوار الفجر فيتواصون بأداء الصلاة، ويتسلل للقلوب نور الإيمان والطاعة وروح العمل والهمة العالية في محراب الطاعة وميادين الحياة.