آخر تحديث: 7 / 5 / 2024م - 11:43 ص

فجر الأمل

يثار الكثير من الإشكالات والتساؤلات حول النهضة المهدوية الإصلاحية في جميع جوانبها ومضامينها ونتائجها، ومن تلك التساؤلات هو الغاية والهدف التي يسعى من خلالها الإمام المنتظر ومن معه لتثبيته وقيامه، وكذلك من جهة أخرى ماهية تعامله مع الآخرين ممن لا يقبلون فكرته ولا يؤمنون بدعوته ويخالفونها فكريا وسلوكيا، فهل ستكون حركته ممزوجة بالحروب المتوالية لإخضاع مناوئيه وإنهاء مظاهر الاستعباد والاستبداد بالثروات والطغيان والفساد الذي يعيثونه في شتى أرجاء المعمورة؟

الأمر يكون سهلا والجواب واضحا حينما نربط الحركة المهدوية الإصلاحية بما قبلها من دعوات الأنبياء والأئمة والأولياء والتي يجمعها عامل مشترك وهو الدعوة إلى الحق والهدى والفضيلة بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار الهاديء، فليس هناك من إكراه لأحد لقبول الحق بدون وجود قناعة فكرية وقبول نفسي بأحقيته وصوابيته، وكذلك الإصلاح المهدوي لن يكون إلا امتدادا وانبثاقا من الإصلاح المحمدي والذي يعتمد على إقناع الآخر وسرد الأدلة والبراهين وإقامة الحجة عليه بعيدا عن العنف الفكري، فكما كان رسول الله ﷺ يعقد جلسات الحوار والنقاش والاستماع للآخر في مدعياته مهما بلغت في شططها، فيقابلها بكل رحابة صدر وأسلوب لين يناقش فيه دون أي ممارسة إجبارية على الآخر، وكذلك سيكون منهج الإمام المهدي في دعوته إلى نبذ كافة أشكال الظلم والاضطهاد والفساد، سيكون سلاحه الأول هو الدعوة بالحكمة والمنطق، والإرشاد إلى الفطرة السليمة للإنسان والتي ضاعت ما بين متاهات الطمع والنهب واللهث خلف الشهوات والأهواء، وسيذكر البشرية بمبدأ الحقوق الفردية والاستظلال بمظلة العدالة الاجتماعية، سيدعو إلى حياة العقل الواعي وحفظ الكرامة والترفع عن الرذائل والخطايا التي تهوي بالمرء إلى عالم البهيمية، إنها دعوة المخلص للبشرية من كل ما تعانيه من آلام وعذابات، فالنفوس النقية تأمل بالعيش الكريم وتجنب الخوض في الخصومات والصراعات، ولن يحقق لها ذلك إلا المنهج الإصلاحي الذي يعالج حالات الاعوجاج السلوكي والانحراف الفكري.

ولو تساءلنا اليوم عن أكبر عامل في تقطيع الروابط والعلاقات الاجتماعية، لوجدناه في رائحة الكراهية النتنة والأحقاد والغيرة الزائدة والتي تنشأ من خلالها المناكفات والمشاحنات، ولو جلسنا في لحظات تأمل ورجعنا إلى أنفسنا لكانت لنا الأمنيات بالتخلص من هذا الواقع الموبوء والرغبة الأكيدة في العودة إلى روح التصافي والتسامح والذي سننعم به تحت راية العدل المهدوي، والنداء المهدوي سيكون له جاذبية وقبول في النفوس على اختلاف مللها وتوجهاتها بسبب أنها تخلصها من معاناتها وتعيدها إلى الحياة الطيبة، فكل الرسالات الإلهية كانت تدعو إلى العدالة والاستقامة السلوكية والتبصر في الأمور، والإصلاح المهدوي سيكون امتدادا لها ومحققا لأهداف الأنبياء وكل المصلحين في أرجاء المعمورة.

والعدالة الاجتماعية التي يدعو لها الإمام المنتظر تنبثق من إصلاح أنفسنا أولا، فإن المرء إذا تعلق بذلك الإصلاح عاطفيا ودون تفاعل عملي معه فستكون النتيجة سلبية، فالانتظار والتمهيد الحقيقي لظهوره المبارك يعني العمل على إصلاح نفوسنا ومراقبة جوارحنا وتصرفاتنا، فإن أنصاره المؤمنين يتميزون بالروح الإيمانية والخشية من الله تعالى والوعي الفكري بمجريات الأمور والرؤى المطروحة على الساحة المعرفية، والفرصة ما زالت مفتوحة أمامنا لنتوب ونتراجع عن خطايانا لنكون مؤهلين لنصرة صاحب العصر والزمان .

والخلاصة أن الطرح المشوه لحركة الإصلاح المهدوي والذي يدعي أنها حركة لنشر الحروب وسفك الدماء وفرض الهيمنة بالقوة والقهر غير صحيح، وإنما هي حركة تصحيحية لمسار الإنسان الذي انسلخ عن القيم وانحدر إلى عالم النزوات، وإنقاذ للبشرية مما تعاني منه من ويلات ومصائب جعلت الأصوات كلها تنادي بوجود المخلص لها من تلك الآلام، وما ورد من مواجهات مع المعاندين والمناوئين فبالتأكيد أنها دفاعية واضطرارية وستكون بعد إقامة الحجة والدعوة إلى الحق والسلام، كما كان ذلك مع الرسول الأكرم ﷺ حيث كانت الحروب التي خاضها دفاعية قد شنها المشركون عليه لاستئصال شفة الدين وأهله.