آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 12:45 م

لماذا نثق بالخبراء - حتى عندما يعترفون بأنهم لا يعرفون الإجابة

عدنان أحمد الحاجي *

بقلم إريك جوستافسون استاذ مشارك في علم النفس، جامعة بورتسموث

15 مارس 2022

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 79 لسنة 2022

Why we trust experts - even when they admit they don’t know the answer

Erik Gustafsson، Senior Lecturer in Psychology، University of Portsmouth

Published: March 15,2022

في كثير من الأحيان ينهال علينا كم هائل من المعلومات عن جميع أنواع المواضيع المختلفة، من العلوم والصحة إلى القضايا الاجتماعية والاقتصاد والسياسة. ولكن مهما حاولنا بجد ومهما كنا متقدي ذكاء لا نتمكن من معرفة وفهم كل شيء، ولا نتمكن بنحو صحيح من تقييم المخاطر المتعلقة بالأمور التي تؤثر في أنفسنا وفي مجتمعنا.

ليس لدينا خيار سوى الإذعان لآراء الآخرين، والقرارات التي نتخذها بشأن مصداقية الشخص أو الشركة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في صحتنا وسلامتنا العقلية [بما فيها العاطفية والنفسية والاجتماعية]. في بعض الحالات، في ترددنا في قرارنا بأخذ لقاح ضد الفيروس، يمكن أن تكون المسألة مسألة حياة أو موت.

أثناء الجائحة، أجرى باحثون سلسلة من الاستطلاعات الكبيرة لدراسة العوامل التي ارتبطت بالتردد في أخذ اللقاح. أحد الاستطلاعات استجوب أكثر من 8 آلاف أمريكي في خمس ولايات مختلفة[1] ، وشمل استطلاع آخر ما يقرب من 7 آلاف شخص في 23 دولة [2] ، وآخِر استطلاع شمل أكثر من 120 ألف شخص في 126 دولة [3] . وجدت جميع الاستطلاعات الثلاثة أن الثقة في العلم4 كانت عاملاً رئيسًا في تحديد ما إذا كان الناس يعتزمون أخذ جرعات التطعيم.

لكن ما هي العوامل التي أثرت في هذه الثقة في العلم؟ حدد الباحثون في مجال ”الثقة الإيبستمولوجية[5] ,[4] “ - وهي ثقتنا في أحد الأشخاص كمصدر للمعلومات مطلِّع - ثلاثة عوامل رئيسة نستخدمها للبت في جدارة أحد الأشخاص بالثقة: كيف ندرك مستوى خبرة ومعرفة الخبير ونزاهته ونزعته إلى الإحسان إلى الآخرين «أي اهتمامه بالمجتمع ورعايته لهم».

دراسة حديثة[7]  في ألمانيا قاست مستوى الثقة في العلم طوال فترة الجائحة والعوامل المؤثرة فيها. وذلك بعمل تحليل لبيانات مستقاة من أربعة استطلاعات أُجريت في فترات زمنية مختلفة، وضمت أكثر من 900 ممن أجابوا على الاستطلاعات، وجد الباحثون أن الثقة في العلم زادت بشكل كبير بعدما بدأت الجائحة - وكان ذلك يرجع أساسًا إلى الافتراضات الإيجابية حول خبرة العلماء كل في مجاله وتخصصه.

في المقابل، كان السبب الأكثر بروزًا لعدم الثقة بالعلماء هو افتقارهم إلى النزعة إلى الإحسان المتصور، لأن العلماء غالبًا ما يعتمدون على ممولي الأبحاث لإجراء أبحاثهم. لذلك أوصى الباحثون بأن يؤكد التبليغ العلمي على حسن نواياهم وقيمهم واستقلالهم.

في المملكة المتحدة، أفاد 72٪ من الناس بمستوى عالٍ من الثقة تجاه العلماء أثناء الجائحة، مقارنة ب 52٪ تجاه الحكومة البريطانية[8] . على الرغم من عدم وجود دراسات بالتحديد بخصوص التصورات المتعلقة بخبرة العلماء ونزاهتهم ونزعتهم إلى الإحسان إلى الناس، إلا أن المواقف السلبية تجاه اللقاح كانت ناتجة بشكل أساس عن عدم الثقة في فوائد التطعيم والمخاوف بشأن الأعراض الجانبية المستقبلية غير الماخوذة في الحسبان [9] .

لا بأس أن تقول ”لا أعرف“

يخشى الكثير منا، بغض النظر عن مجال عملنا، أن يؤدي إبداء مستوى من الارتياب [المترجم: عدم الثقة، والذي عادة يُقرن بنتائج دراسات كمية وتُبرز بعلامة ± بعد القيمة الكمية] إلى تضرر صورتنا - وقد نعوض ذلك بالتعبير عن الثقة المفرطة في محاولة منا لكسب ثقة الناس بتا. هذه الاستراتيجية لوحظت في مسؤولي الشؤون الصحفية[10]  في الجامعة عندما يكتبون عن نتائج البحوث الأكاديمية - وكذلك من بعض مسؤولي الصحة العامة عند التواصل مع الجمهور أثناء الجائحة[11] .

لكن بعض الدراسات تبين أنه بينما يُحكم على المستشارين الواثقين من أنفسهم بشكل محاباتي، فإن الناس لا يكرهون بطبيعتهم النصائح المشكوك في صحتها[12] . 
في الواقع، عندما يخير الناس بشكل صريح، فمن المرجح أن يختاروا مستشارًا قدم مشورة غير مؤكدة «وذلك بتقديمه نطاق من النتائج أو الاحتمالات أو أن يقول بأن أمرًا ما ”أكثر احتمالًا“ من الآخر» على مستشار آخر قدم نصيحة لا تنطوي على مستوى من الريب.

يبدو أن المستشارين يستفيدون من التعبير عن أنفسهم بثقة، ولكن ليس عبر ابلاغهم بشيء مشوب بيقين زائف.

في كثير من الحالات، الناس على استعداد لأن يثقوا بأولئك الذين بمقدورهم الاعتراف بأنهم لا يملكون إجابة قطعية. الأخبار السارة تأتي من الدراسات التجريبية الحديثة عن العلاقة بين الطبيب والمريض[13]  ومصداقية الشهود[14]  والتبليغ العلمي[15]  التي وجدت أن التبليغ العلمي المشوب بعدم اليقين وحتى الاعتراف بأخطائنا ليس ضارًا بجدارة أحد الأشخاص بالثقة15 بل يمكن حتى أن يكون مفيدًا لها.

لذا، فإن الإخفاق في ”الخبرة“ يمكن تعويضه بمستوى عالٍ من النزاهة والنزعة إلى الإحسان إلى الناس[16] .
 عند التبليغ العلمي المشوب بحالات من عدم اليقين بشفافية، يُنظر إلينا على أننا أقل تحيزًا ومستعدين لقول الحقيقة[17] .

هناك أساس عصبي للجدارة بالثقة

سمة أخرى من سمات الجدارة بالثقة هي أنه يمكن إضعافها أيضًا بما يُعرف ب ”مغالطة الذنب بالارتباط“ «يمكن الحكم عليك بما تحمله من اعتقاد[18] » - أو العدوى الأخلاقية[19] ,[20]  - وهي الآلية السيكولوجية الكامنة وراء هذا الاعتقاد.

هناك مثل مفاده أن ملعقة قطران قد تفسد برميل عسل.

يعتقد أنه طوال مراحل النشوء والتطور، آليات الاشمئزاز لدى البشر، والتي نشات وتطورت في الأصل لتقييم مدى التلوث وتجنب الأمراض من الطعام الفاسد أو المتسخ بالتراب، استخدمت أيضًا في تقييم اشمئزازنا من بعض الناس[21] . عندما نشعر بالاشمئزاز من سلوك الناس غير الجديرين بالثقة - هو نفسه من الناحية العصبية مثل اشمئزازنا من الطعام الفاسد.

دعماً لهذه الفرضية، كل من الاشمئزاز من الطعام والحكم الأخلاقي تنشط نفس مناطق الدماغ ونفس عضلات الوجه.

ومن المثير للاهتمام، أن حساسيتنا للاشمئزاز «مدى سهولة شعورنا بالاشمئزاز» تظهر بالفعل تلازمًا موجبًا بمستوى عدم ثقتنا بالآخرين [المترجم: أي كلما انخفضت ثقتنا بالآخرين كلما زاد شعورنا بالاشمئزاز]. بعبارة أخرى، إذا كنا تشعر بالقلق من مسببات الأمراض في الطعام، فسنميل أيضًا إلى أن يكون لدينا مستوى ثقة اجتماعية [5]  منخفض ونشعر أننا نرغب في تجنب العلاقة بمعظم الناس.

ولكن كيف يمكن أن تؤثر هذه العملية النفسية ”للعدوى الأخلاقية“ في ثقتنا بالعديد من الشركات / المنظمات / المؤسسات أو الأفراد الذين يُزعم أنهم يتعاونون بشكل وثيق مع بعضهم البعض، مثل الباحثين والحكومة والشركات الدوائية والجامعات والهيئات الدولية أثناء الجائحة، لا يزال أمرًا غير واضح. في مثل هذا البوتقة من الشركات، سوف تعتمد العدوى الأخلاقية على المجموعات التي نشعر بالانجذاب إليها، وحساسياتنا الشخصية تجاه سوء السلوك كالأكاذيب والفضائح السياسية وتضارب المصالح أو المحسوبية.

في هذا الجو من عدم الثقة، يجب على أي شخص يسعى لأن يكون موضع ثقة الناس بالفعل أن يعمل على التبليغ العلمي من خلال خبرته وصدقه ونزعته إلى الإحسان إلى النس - وتشجيع أولئك الذين يعملون معه على فعل الشيء نفسه..

مصادر من داخل وخارج النص

[1] - https://www.pnas.org/doi/10,1073/pnas.2112266118

[2] - https://journals.plos.org/plosone/article?id=10,1371/journal.pone.0248334

[3] - https://www.nature.com/articles/s41562-021-01115-7

[4] - https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC8406882/

[5] - ”الثقة الإيبستمولوجية Epistemic Trust أو الثقة الموضوعية هي رغبة الشخص في اعتبار المعرفة الجديدة جديرة بالثقة وذات صلة بالموضوع، وبالتالي تستحق أن تكون جزء لا يتجزأ من حياتهم. في المقابل، يتسم انعدام الثقة الأبستومولوجية بأنماط تفكير غير مرنة وصعوبة في الاكتساب من المحيط الاجتماعي.“ ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.hra.nhs.uk/planning-and-improving-research/application-summaries/research-summaries/epistemic-trust-in-adolescents/

[6] - https://ar.wikipedia.org/wiki/نظرية_المعرفة

[7] - https://journals.plos.org/plosone/article?id=10,1371/journal.pone.0262823

[8] - https://wellcome.org/reports/wellcome-monitor-2020-covid-19-study

[9] - https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=3716874

[10] - https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6833989/

[11] - https://www.theatlantic.com/health/archive/2022/02/pandemic-communications-public-health/622044/

[12] - https://journals.sagepub.com/doi/full/10,1177/0956797617739369?casa_token=CI6qHf3KY1AAAAAA: _1iySW8eh0Ecg-DyM0vlXSgAvLO01w5iLC3gnoRh8NAmONmibHkhhe6b0Ux-4VLLvIbWJ1pYKH8

[13] - https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10,1111/j.1525-1497,2006.00465.x

[14] - https://journals.sagepub.com/doi/full/10,1111/j.1467-9280,2007.01847.x?casa_token=1aaiLobpkhoAAAAA: F6fyGs5zqSzsN2UGtz6rgKPekgmownvhu0SnfbK2LGkN2RDHk455BRt9crbS7fJweyRUaq8q0o0

[15] - https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S142448961630039X

[16] - https://journals.sagepub.com/doi/full/10,1177/09636625211022181

[17] - https://journals.sagepub.com/doi/full/10,1177/0261927X211044512#_i30

[18] - ”مغالطة الذنب بالارتباط وتسمى أيضا“ مغالطة المنشأ ”وتُرتكب حين يُرفض رأي معين بسبب معتنقيه. وأحد الأمثلة على هذه المغالطة هو لو أن أ من الأشخاص يكره س من الأشخاص وس يعتنق الفكرة ص. إذن أ سيرفض الفكرة ص بقوة؛ لأن س يعتنقها. مجرد قبول آخرين بهذه الدعوى لا يمكن أن يؤثر في صحة الدعوى من خطئها. بالإضافة إلى أن هذا الرفض هو رفض نفسي وليس رفضًا عقلانيًا للدعوى قائمًا على الحجة والبرهان.“ مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/ذنب_بالارتباط

[19] - https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0022103113000954

[20] - ”العدوى الأخلاقية هي ظاهرة يأخذ فيها الأشخاص الجوهر الأخلاقي للأشخاص المرتبطين بهم. يقدر الناس الأشياء المرتبطة بالأشخاص الأخلاقيين والمحبوبين أكثر من تلك المرتبطة بالأشخاص غير الأخلاقيين والمكروهين..“ ترجمناه من نص ورد على عذا النص

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6865687/

[21] - https://www.science.org/doi/full/10,1126/science.1170492

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/why-we-trust-experts-even-when-they-admit-they-dont-know-the-answer-172562