آخر تحديث: 7 / 5 / 2024م - 11:44 م

آيلة للسقوط ‎‎

يتبادر إلى الأذهان صورة فقدان الأبناء لوالديهما حالة اليتم والحرمان من تربيتهما وعاطفتهما وإحاطتهم بالحب والإرشاد والاهتمام والرعاية، وبلا شك أنها الصورة الأبرز والأوضح ولكن هناك ما هو مثلها بل أعظم وأدهى منها، وهي حالة فقد الأبناء لرعاية والديهما وهما على قيد الحياة، وذلك أن اليتيم يواجه حقيقة حرمانه من حنان وتربية والديه الراحلين وعليه أن يشق طريقه في تحقيق ذاته وأهدافه وبلورة شخصيته بما يمتلكه من قدرات ومواهب، مع اعتقادنا أن لكل ضعف لطفا بمعنى أن الله تعالى يسخر لذلك اليتيم من يأخذ بيده أو يودع في داخله قوة في مواجهة التحديات والصعاب، وما نسلط الضوء عليه هي حالات الضياع والوجع الساكنة بين جدران بيوت قد تخلى الوالدان عن مسئولية تربية أولادهم، مما جعل الأبناء عرضة لسهام الغزو الفكري والسلوكي الذي تعج به وسائل التواصل الاجتماعي، ولا نبالغ إن قلنا أن بعض الآباء والأمهات لا يعرفون شخصيات أبنائهم لأنهم ببساطة لما يحاولوا أن يتقربوا منهم أو يتحدثوا معهم، مبدين أعذارا واهية كالانشغال بتوفير مستلزمات الحياة الضرورية لأبنائهم، وكأن التربية والمتابعة أمر ترفي لا يستحق الالتفات له!!

لا ينكر أحد منا وجود متغيرات وعوامل تضيف من الأعباء على كاهل الوالدين الشيء الكثير بما يعقد المشهد الحياتي أكثر من السابق، ولكن هذا لا يعني بقاء المحيط الأسري بلا أب يقود مسيرته ويهتم بأفراده ويقضي معهم شطرا من وقته للاستماع لهم ومشاركتهم همومهم ومساعدتهم على تفهم طبيعة المشاكل والعقبات التي يواجهونها وكيفية معالجتها وتجاوزها، الأب قيم على أسرته بمعنى يدير شئونهم وفق مبدأ الحكمة وهدوء النفس وامتصاص الغضب الناجم عن الظروف القاهرة، فهو كربان السفينة يقودها وسط الأمواج المتلاطمة من المصائب والعراقيل، ومتى ما تخلى الأب عن هذا الدور فقد حكم على أسرته بفقدان الاستقرار وجعلها عرضة لشتى ألوان التيهان والسقوط، وهذا الأمر لا مبالغة فيه فالأبوة مسئولية وعمل وتخطيط ومتابعة وتشجيع وليس مجرد مصرف مالي يوفر مستلزمات البيت.

وكذلك بالنسبة للأم وهي قطب الرحى وتلعب دورا محوريا بعاطفتها الحانية لتجنيب الأبناء تبعات اليوم الدراسي المرهق، فالأم ملجأ يلوذ به أبناؤها ويستلهمون منه القوة والإرادة والصلابة في تحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم، ومتى ما تخلت عن هذه المسئولية وانشغلت بكل شيء ما عدا تربية وتوجيه أبنائها فإنها تجني عليهم، فالتطلع لرؤية أبناء واثقين من أنفسهم وناجحين في حياتهم المدرسية والوظيفية والأسرية مستقبلا يعتمد على ما يمده به آباؤهم وأمهاتهم من توجيه وتربية وتعليم.

الجو الأسري المستقر والذي يخلو من صخب الخلافات وصراخ المشاحنات مطلب مهم لتربية واعدة وسلامة نفسية، ومهما كانت تلك النقاط الخلافية أو سوء الفهم بين الزوجين فإن المشاجرة لا تغير من واقعها شيئا بل تدخلهم في دوامة من المشاكل وتشبكها بشكل يصعب الخروج منها بعد ذلك، بينما ضبط النفس والتعامل بهدوء وحوار وتبادل الآراء واستماع الآخر يمكنهما الوصول إلى حلول مرضية وممكنة، كما أنهما حينئذ يحافظان على علاقتهما ومشاعرهما من أي تدهور، وإذا كانت علاقتهما قائمة على التفاهم والثقة المتبادلة فإنهما يقدمان القدوة الحسنة لأبنائهم ويتعاونان في تربيتهما وحل مشاكلهم وإرشادهم.

المستجدات في حياة أفراد الأسرة ينبغي أن تكون في موضع اهتمام ومتابعة الوالدين، وخصوصا على مستوى دخول وسائل التواصل الاجتماعي والانكباب عليها لدرجة أن كل واحد منهم يعيش عالما مغلقا لوحده، وهذا بالتأكيد يضعف علاقة كل واحد ببقية إخوته، فليس عنده من الوقت للجلوس معهم وتبادل الأحاديث والتخفيف عمن يعاني منهم من مشكلة، لا ننكر أهمية وسائل التواصل ووجود تأثير إيجابي من الناحية المعلوماتية والترفيهية والاجتماعية، ولكن التمادي في استعمالها يقلب المشهد ويحولها إلى معول هدم ومضيعة للوقت، وهنا ينبغي للوالدين إرشاد الأبناء ومتابعتهم من خلال تقسيم الأوقات بين أداء الواجبات المدرسية والنشاطات الرياضية واللقاءات الاجتماعية.