آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

استيعاب وتفهم ظروف المراهق

التعامل مع الأبناء بداية انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة تحتاج إلى استيعاب ظروف المرحلتين واحتياجاتهم وتفهم دوافع سلوكياتهم، ومعرفة كيفية التحاور والتفاهم معهم على مجمل القضايا التي تتعلق بهم وتهمهم، ومن لا يعي هذه القضية والمفردة التربوية يعيش حيرة في فهم سلوكيات ابنه وطريقة تفكيره وتغير مزاجيته واختلاف ميولاته، فالطفل يتميز بالأريحية في تقبل التوجيهات والإرشادات من والديه في أغلبها بدون عناد كبير، ولذا يسهل في الجانب العبادي توجيهه لأداء الصلاة أو لبس الفتاة للحجاب وكذلك ينساق إلى الالتزام بالقيم الأخلاقية والاجتماعية من خلال التربية بالحب، وأما في مرحلة المراهقة فيعتمد في أي توجيه من والديه على التحاور حوله وإبداء رأيه والقناعة به في نهاية الأمر، وهذا ما لا يتحمله بعض الآباء والأمهات فتضيق صدورهم من مستجدات سلوكيات أبنائهم وينسبون كل ما يصدر منه إلى حالة التمرد والتأثر بأصدقاء السوء وغيره من التخمينات التي يحاول الوالدان من خلالها فهم التغير المفاجئ - في نظرهم - في سلوكه وطريقة تعامله المزاجية في بعض الأحيان، وخصوصا أن طريقة تعاملهم معه لم تتغير وتتسم بالاحترام وبعيدة عن أي ممارسات قاسية أو عنف لفظي.

مرحلة المراهقة مرحلة نمو لها خصائصها التي ينبغي تفهمها والتعامل مع الابن وفقا لهذه المستجدات، ومن تلك الخصائص أنه في مرحلة المراهقة يحب أن يستقل في تصرفاته وقراراته بعيدا عن تدخل الآخرين ومنهم الأهل، فهو يضيق ذرعا بالتعامل معه على أساس أنه طفل لا يعرف مصلحته وعليه أن يستمع لكل ما يقال له من والديه، فاليوم يشعر بأنه بلغ درجة من النضج العقلي والاتزان العاطفي بما يخول له أن يقرر ويختار ويقيم علاقات تناسب شخصيته دون اقتحام أحد لحياته بدون إذن منه، وهذه ليست بمشكلة إذا تفهم الوالدان هذه النقلة في حياته وبدأت معاملة جديدة تعتمد على استمزاج رأيه في مختلف القضايا والاستماع له وعرض التصورات المختلفة أمامه وصولا لبيان النقاط الإيجابية والسلبية لهذا الأمر؛ لكي يظفر الوالدان بقناعته من خلال احترام عقله وطموحاته مع تعديل ما يجدان عنده من سلبيات من خلال الحوار لا الإكراه أو استخدام أسلوب الأوامر، كما أن شعوره بالاستقلال يمكن للوالدين توظيفه بنحو إيجابي من خلال إشراكه في بعض الواجبات الأسرية التي تظهر ثقة والديه بقدرته على تحمل المسئولية.

الأجواء الأسرية وعلاقة الوالدين تؤثر على تفكير وسلوك الشاب وتقدم له نموذجا للعلاقات يحتذي به، فإذا كانت العلاقة بينهما يسودها التفاهم والانسجام والتحاور حول مختلف المواضيع فبلا شك أن هذه القدوة الحسنة تتجه به نحو احترام الآخر، وأما إذا كانت المشاحنات والخلافات تمارس أمام الأبناء فكيف يمكن حينئذ أن نترجى الظفر بشخصية شاب هادئ وحكيم في تصرفاته؟!

كما أن المشاعر العاطفية التي يتلقاها الشاب من والديه لها تأثير في إحساسه بالمقبولية والمحبوبية وإن صدر منه ما لم يقبلاه منه، وفي المقابل فإن الحرمان والمعاملة الجافة معه تسبب له توترا وتضعف علاقته بوالديه، وحينها لا يمكن للوالدين أن يوجهاه ولا يتقبل منهما النصيحة وهو يشعر بتقصيرهما في حقه وتجاهلهما لوجوده.

أفضل الأساليب في التعامل مع الابن المراهق وفهم شخصيته وظروفه هو التقرب منه وعقد علاقة الصداقة معه، وهو وإن كان يغلب عليه الميل إلى الاحتفاظ بالكثير من تفاصيل حياته وعدم بوحه بها، ولكنه متى ما استشعر بعناية والديه به فإنه سيبدأ في طلب المساعدة والمساندة في حل مشكلاته والبحث عن حلول مناسبة، وسيكون متفاعلا في الحوار مع والديه إذا شعر بوجود مساحة له في إبداء وجهة نظره والاستماع له والنقاش حولها، فهو لا يرفض المساعدة وإنما لا يقبل الإملاءات أو التعامل معه وكأنه طفل صغير لا يعرف مصلحته.

والخلاصة أن التعامل مع الابن في المرحلة الجديدة بكل احترام ومحبة وإن صدر منه سلوك خاطئ، وتفهم ظروفه ونفسيته يساعده في تجاوز هذه المرحلة بكل قوة واقتدار، ويكمل مسيرته التعليمية وعلاقاته الاجتماعية بنجاح ولا يتعرض للانحراف أو الضياع، ما دام هناك اهتمام ومتابعة من الوالدين ومشاركة حقيقية في تطلعاته مع الحفاظ على استقلال شخصيته.