لماذا ربما يشعر أولياء الأمور بأنهم ملزمون بعلاج الأطفال دوائيًا لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة
بقلم جوزيف ديفيز، برفسور باحث في علم الاجتماع في معهد الدراسات المتقدمة في الثقافة بجامعة فيرجينيا
علاج الأطفال بالأدوبة كانت فكرة غير مقبولة. ماذا تغير؟
1 أبريل 2022
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 105 لسنة 2022
Why Parents May Feel Obligated to Medicate Children for ADHD
Joseph E. Davis Ph.D.
Medicating kids used to be a tough sell. What changed?
April 1,2022
حين إجراينا مسحًا استطلاعيًا، أفادنا أولياء أمور عن تحفظاتهم القوية بشأن علاج أطفالهم المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة «ADHD» بالأدوية المخصصة لهذا الاضطراب. ولكن، في الوقت نفسه، ارتفعت معدلات التشخيص والعلاج بشكل مطرد. كيف يمكن أن يكون كلا الأرتفاعين صحيحين؟ في منشور سابق، أشرت إلى هذا التلازم العجيب بين التشخيص والعلاج على أنها مفارقة اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة [1] .
في سعيي لحل هذه المفارقة، طرحت ثلاث نقاط. أولاً، نظرًا لتوسع نطاق اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بمرور الزمن ليشمل أعراضًا أخف شدةً مما كان عليه في السابق، فإن أعدادًا متنامية من أولياء الأمور يتساءلون عما إذا كان لدى أطفالهم، الذين يعانون من صعوبات، مشكلة طبية ولذا يشعرون بالمسؤلية للسعي لطلب الاستشارة الطبية. ثانيًا، المهنيون، وحتى الناس العاديون، يروجون ”للمسؤولية“ التي تفترض أن هناك استعدادًا من جانب أولياء الأمور ليطلعوا على المعارف ”العلمية“ وتوجيهات الخبراء. ثالثًا، نظرًا لأن الخبراء يدعمون بقوة العلاج الدوائي [المعني بهذا العلاج هو السايكلوجيا الدوائية[2] «مع أو بدون تدخلات أخرى»، فمن المحتمل أن يجد أولياء الأمور المترددون والمعارضون في البداية أنفسهم يقبلون التشخيص ويشترون الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب.
تثير هذه التأملات، المستندة إلى عدة أدلة متنوعة، سؤالاً أعمق أرغب في تناوله هنا، وهو سؤال يتعلق بالأطباء وكذلك بأولياء الأمور. ببساطة، كيف يُنظر إلى تشخيص طفل أو مراهق أو يوصف له دواء قوي [دواء له تأثير قوي]، خاصة في الحالات غير الحادة، على أنه التصرف المسؤول الذي ينبغي الاقدام على فعله؟
فكرة علاج الأطفال كانت عملية صعبة على القبول. في كتابهما الصادر عام 1975 بعنوان خرافة الطفل المفرط النشاط The Myth of the Hyperactive Child، جادل بيتر شراغ Peter Schrag وديان ديڤوكي Diane Divoky بأن عددًا قليلًا من الأطفال يعانون من حالة خطيرة تحتاج لعلاج.
مع أن ”معظم الأطفال لا يحتاجون. إلّا أنهم يُعطون الدواء على كل حال... حتى يمكن السيطرة على نشاطهم.“ في دراسة تاريخية للمقالات المنشورة في المجلات الشهيرة بما فيها مجلة التايم Time ومجلة فوربس Forbes، ضمن الفترة الممتدة من 1968 إلى 2006، وجدتُ مخاوف مماثلة. العديد من مؤلفي هذه المقالات، على الرغم من أنهم يعترفون ببعض الحالات الطبية الحقيقية، كانوا قلقين من أن الارتفاع في استخدام الأدوية المنشطة كان مدفوعًا بالحاجة الاجتماعية إلى ”تكريس الطاعة“ وفرض ”الامتثال“ المحدود في المنزل والمدرسة. لقد اعتبروا هذا الاستخدام المفرط للمنشطات غير أخلاقي وغير مسؤول لأن أولئك الذين استفادوا من الدواء، في المقام الأول على الأقل، كانوا أولياء الأمور والمعلمين، لا نفس الأطفال.
يرى العديد من المواطنين العاديين، كما وجدنا في دراستنا الاستطلاعاية ومن مجموعات التركيز [والمعروفة أنها أحد طرق جمع البيانات[4] التي أجريناها، انتشار علاج الأطفال غير اللائق فيما يتعلق بالضبط الاجتماعي[5] وعدم التسامح مع الاختلافات الطبيعية بين الأطفال. قال أحد المشاركين في مجموعة التركيز، إن العلاج بالدواء ”ليس بالضرورة مفيدًا للطفل“، ولكنه مفيد للمحيطين بالطفل، من أولياء أمور ومعلمين. وأعتقد أن هذا أمر خطير ”. حتى الأطباء، بناءً على الاقتباسات الواردة من المقالات المنشورة في تلك المجلات، لديهم أحيانًا نفس هذه المخاوف. بيد أنه، في الحالات الفعلية، تختفي عبارة“ مصلحة الدواء تقتصر فقط على الكبار «أولياء الامور والمعلمين» ".
يصبح التشخيص والدواء هو التصرف المسؤول لأنه يعتبر ”مفيدًا للطفل“. فكيف يكون ذلك؟
الإجابة المختصرة هي أن مشكلة الطفل، مهما فُهمت في البداية، يُعاد تعريفها. عادةً ما يبدأ المسار الذي يؤدي إلى عيادة الطبيب بسلوكيات مزعجة، غالبًا ما يلاحظها المعلمون في البداية ولكن يلاحظها أولياء الأمور أيضًا. ضعف التحكم العاطفي[6] ، وتشتت الانتباه وعدم التنظيم وفرط النشاط، والمشاكسة، وضعف الأداء هي من بين السلوكيات السيئة - آي الأعراض - التي يُبلغ عنها في العادة. وكلها تؤثر في جميع العلاقات والنجاح في المدرسة وغالبًا في المنزل ومع الأقران.
فيما يتعلق بهذه السلوكيات، يبدو أن اعطاء الأطفال أدوية شبيهة إلى حد كبير بالامتثال القسري للمعايير الاجتماعية والمؤسسية، وهو التصرف الذي غالبًا ما يعتبره الناس تصرفًا خاطئًا وغير مسؤول. أشك في أن أولياء الأمور المترددين، إذا كان هذا هو كل ما يعرفونه أو يسمعونه، سيميلون بناءً على هذا الأساس إلى وضع ابنهم أو ابنتهم على أدوبة الأمفيتامين[7] ، مثل أديرال Adderall [أمفيتامين واحد من مكوناته[8] . لاعتبار مسار العمل هذا تصرفًا مسؤولاً، يجب أن يقتنع أولياء الأمور بأن رعاية الطفل ينبغي أن تكون لها الأولوية القصوى، وأن تناول الدواء مفيد للطفل.
هنا حيث المنظور ”العلمي“ لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والذي يُحث أولياء الأمور على تبنيه يعتبر أمرًا حاسمًا. اعتاد الحال أن تُشهص المخاوف النفسية المتعلقة بفرط النشاط وتشتت الانتباه في مرحلة الطفولة من منظور السلوكيات غير القابلة للتكيف [أي النوازع التي لا تسمح للفرد بالتكيف مع أوضاع معينة[9] . الإعلانات التجارية عن الأدوية، على سبيل المثال، المنشورة في المجلات الطبية في الستينيات، وصفت تأثيرات الأدوية على أنها ”تقلل“ من الأعراض السلوكية وتعزز ”التكيف الجيد“ مع الأوضاع. هناك بعض الإشارات على التحسن في الأداء المدرسي والعلاقات الشخصية، ولكن، كما هو الحال في إعلان ريتالين Ritalin الكلاسيكي [ريتالين هو منشط يستخدم لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة[10] ، فإن امكانية التحسن هذه ليست نتيجة مباشرة للدواء. تأثير الدواء المُعلن عنه يتمثل في تقليل السلوك التخريبي disruptive behavior، والذي بدوره قد يجعل ”الطفل أكثر استجابة“ للتدخلات ”غير الدوائية“، مثل العلاج النفسي[11] .
هذه التدخلات الأخرى تساعد في المدرسة وتعزز العلاقات. الكثير من الأطفال في تلك الأيام لم يخضع لهذا النوع من العلاج.
في هذا العصر وهو عصر التشخيص الشامل والوصفات الطبية، يختلف مفهوم اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة اختلافًا تامًا. في نظرية الوظائف التنفيذية[12] المؤثرة بشكل واسع، لا يُعرّف الاضطراب على أساس سلوكيات معينة أو حتى القصور الادراكي[13] في الانتباه. ”الانتباه في الحقيقة ليس هو المشكلة“، وفقًا لما ذكره المنظِّر البارز في الوظائف المعرفية راسل باركلي Russell Barkley[14] كانت فكرة نقص الانتباه بارزة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. أدت هذه الفكرة إلى تسمية الاضطراب باسم ”اضطراب نقص الانتباه“ وإلى النظرية القائلة بأنه، بطريقة ما، بتطبيع عمليات الدماغ، ”هذه الأدوية المنشطة تساعد على خفض هذا القصور،“ على حد قول ڤيرجينيا دوغلاس Virginia Douglas، رائدة هذا المنظور[15] .
ولكن حاليًا يُفهم اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ضمن علاقته بالذات، ”الذات،“ كما يقول باركلي، والذات، مقارنة بأشياء أخرى، ”تتحكم في السلوك أو تنظمه أو تجريه“ بشكل غير كافٍ. المشخص يعاني من نقص في القدرة على ضبط النفس[16] ، والاستعداد لتطوير القدرة على الانجاز[17] ، والتخطيط للمستقبل. ما هو على المحك هو تنظيم السلوك ذاته، لا سلوكيات معينة. الأعراض قد تشمل أي سلوك إشكالي من الناحية السياقية التي تشير إلى عدم وجود دافع شخصي[18] أو ضبط نفس[19] أو مصلحة ذاتية [أي التركيز علي الحاجات والرغبات الشخصية[20] فيما يتعلق بالأهداف أو الآثار المترتبة عليها في المستقبل. والمنشطات - التي لا تزال تعتبر الأدوية الرئيسة المفضلة - تُعرَّف على أنها تساعد على ضبط النفس والدوافع الشخصية.
الإعلانات التجارية التي تروّج لعقاقير اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة تعرض بشكل مثالي النظرية ”الذاتية“ لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. [هذه الاعلانات التجارية تضخم فوائد أدوية الاضطراب المرغوب فيها بشكل كبير].