آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

انتهاك حرمة ممتلكات الآخرين

ورد عن أمير المؤمنين : الحَجَرُ الغصيب في الدار رهنٌ على خَرابها» «نهج البلاغة ج 4 ص 53».

لا قيمة مادية تذكر لقطعة الحجر ومع ذلك يأخذها أمير المؤمنين مثالا حيا وفاعلا في بيان الآثار الوضعية لارتكاب ذنب الغصب والاستيلاء على ممتلكات الغير بغير وجه حق، وهذا الأسلوب البياني الجميل المبني على توضيح الغضب الإلهي يؤكد على ترك مقاربة هذا التصرف السيء بأدنى صوره لمن يعي ويفهم.

يحدثنا أمير المؤمنين عن أحد أهم المبادئ الاجتماعية التي تحفظ السلم والاستقرار في علاقة أفراد المجتمع وتجنبهم كل أشكال الاحتراب والضغائن ألا وهو حفظ حقوق الآخرين المادية والمعنوية وعدم التجاوز عليها بأي شكل من الأشكال، وهذا التحذير ينطوي على التنبيه من نوازع النفس المسولة لصاحبها بالاستيلاء على ممتلكات الآخرين، فإن قناعة المرء برزقه تكفيه عن التطلع لما في أيدي الناس ومن ثم التحرك نحو أخذه منهم بغير وجه حق، كما أن الضمير الإنساني اليقظ والذي ينظر إلى عواقب الأمور وآثار الغصبية السيئة على فاعلها في الدنيا والآخرة، يحصن صاحبه من شهوة الجشع والطمع المحركة له نحو البحث عن ممتلكات أصحابها الضعاف كاليتامى ليستولي عليها.

أمير المؤمنين يؤكد على هوية المؤمن والقيم التي يحملها في جميع جوانب حياته، ولا يقتصر الأمر على جانب العلاقة بالله تعالى والمحافظة على العبادات بشرائطها وواجباتها، بل التدين مفهوم شامل لجميع جوانب شخصيته العبادية والأخلاقية والاجتماعية والمالية، فهناك من الضوابط الإسلامية التي تحكم علاقاته مع الآخرين بعيدا عن الأهواء والمزاجية بما يحفظ حق كل فرد، فله حقوق يحب أن يحافظ الآخرون عليها ولا يتعدى على أحد على شخصيته وممتلكاته، كذلك ينبغي عليه أن يتعامل وفق هذا المبدأ مع الآخرين ولا يسمح لنفسه أن تسمع لصوت الهوى والشيطان فيتعدى على الغير.

أمير المؤمنين يبين لنا مثالا لحالة التعدي على الغير فيما ثمنه بسيط جدا كالحجرة الواحدة، ولكن هذا الذنب له آثار وخيمة على حياته الدنيوية والأخروية، وإن استقوى على الغير بما يملك من قوة أو استولى على ذلك بالخديعة فإن الله تعالى يقابل مكره بعقوبات في الدارين، والإشارة إلى غصبية الحجر للدلالة على فداحة وقبح هذا الفعل حتى في أبسط الأمور، وعلى المرء أن يحاسب نفسه ويتجنب التجاوز على الغير بدون وجه حق.

وقد أشار علماء الأخلاق إلى العفو الإلهي والتجاوز عن ذنوب الإنسان يكون فيما إذا كانت مخالفة لأمر إلهي لا يتعلق به حق أحد من العباد، وأما ما يتعلق بحق الغير المادي بالاستيلاء على شيء من ممتلكاته أو المعنوي بالتجاوز على شخصيته بغيبة أو افتراء، فهذا لا يسامح الله تعالى فيه حتى يرضي المرء خصومه فيصفحوا عنه.

التصرف في ممتلكات الآخرين بنحو البيع أو الإعارة لا يتم إلا بإذن خاص منهم ولا يحق للمرء لأي سبب كان التجاوز والتصرف بغير وجه حق، والنفس المتحركة بحسب أهوائها تتطلع إلى الاستيلاء على ممتلكات الغير استغلالا لما يملكه صاحبها من قوة المال والجاه، كما أنها لا تقنع برزق الله تعالى وما قسمه للعباد من عطايا بل تتطلع لما في أيديهم حسدا وكأنها تنقم على التدبير الإلهي!!

ولتصوير خطورة فقدان الأمان المجتمعي على الممتلكات وما يحدثه من فوضى وفقدان للأمان، أمير المؤمنين يصور الآثار الكارثية والوخيمة لغصب قطعة حجر، فإنها تكون سببا وإيذانا بالخراب والدمار لما ضمت إليه، وذلك لما يترتب عليه من دمار اجتماعي تهتضم من خلاله الحقوق وتشتعل في النفوس المريضة شرارة الطمع لتحرق ما أمامها من أخضر ويابس.

وبالنظر لتلك الآثار السيئة المترتبة على الاستيلاء على أموال الناس بالباطل حرم الإسلام الغصب بكافة أشكاله الواضحة والتمويهية الخداعة، إذ إن سلوك الغصب يتضمن حالات عدوانية ومشاعر كراهية تجاه الآخرين تسبب اضطرابا في العلاقات الاجتماعية ويسود منطق الغاب.