آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

مكاشفات ختامية

الدورة التدريبية لتهذيب النفس أمام المغريات والشهوات في شهر رمضان لا بد لها من نتائج تنعكس على شخصية الصائم وسلوكياته، ولبلورة الجوهر الجميل لنفسه ما عليه سوى إعادة جدولة حساباته وصياغة فكره وتصرفاته من خلال مدرسة الصوم الأخلاقية، ومن تلك الهبات التي يظفر بها الصائم هي إتاحة الفرصة للتعرف على نفسه بعيدا عن الأنا والوهم، فقد مر بتجربة عملية أظهرت له من الحقائق التي عليه التعامل وفقها، وليس هناك من سبيل لمعرفة الله تعالى كمعرفة النفس وما تنطوي عليه من صفات ونقاط قوة أو ضعف؛ لينطلق بعدها المؤمن في رحلة إصلاح النفس من الرذائل الأخلاقية.

هناك ما يستحق انصباب الجهود عليه وصرف الوقت الملائم والمناسب له أكثر من غيره من الانشغالات التي لا تستحق كل ذلك الجهد المبذول لها، ومن تلك الأولويات هو الاهتمام بإصلاح النفس وتخليصها من النقاط السلبية والنقائص والعيوب التي تحط من قدرها وتبقيها في المكان الذي لا يليق بكرامة الإنسان وطموحه للارتقاء والسمو في جميع أبعاد شخصيته، كما أن القدرات المودعة فينا تحتاج إلى اكتشافها وتنميتها والاستفادة منها في خوض المصاعب وتحقيق الأهداف في ميادين الحياة، وأما لو بقي الإنسان بعيدا عن محاولة التعرف على نفسه فسيبقى في الحياة تائها وجاهلا.

مكاشفة النفس والوقوف أمام مرآة النفس هو السبيل لسبر أغوار وأعماق النفس والتعرف على المجاهيل، وذلك لمعرفة القرارات المناسبة التي يتخذها لتصحيح مساره، سواء على مستوى علاقته بربه والتمسك بأطراف العبادة الواعية وما تحمله من مضامين عالية، وعلاقته بكتاب الله تعالى وتلاوته حق تلاوته والاستنارة بهديه في تحديد خطواته في الحياة، وكذلك الوقوف بين يدي الله تعالى في محراب الصلاة وتأثيرها على سلوكياته، فتلك الصورة لها والتي تسقط التكليف وتصح وفق الأحكام الفقهية، مع خلوها من التأثير التربوي لشخصيته وصياغة سلوكياته وفق مبدأ الاستقامة والورع، تحتاج إلى مراجعة ومكاشفة النفس حول هذا الأداء غير المقبول، وهذا الأمر يسري وينسحب على بقية عباداته وتعاملاته وتصرفاته على المستوى الأسري والاجتماعي.

ومبدأ المكاشفة واتخاذ القرارات التغييرية ليست بالأمر الهين على المستوى العملي، إذ تنتاب المؤمن إفاقة آنية مؤقتة بسبب ذلك الجو الإيماني والروحي المشحون في شهر الصيام ولكنها سرعان ما تتلاشى ويعاود ما كان عليه من غفلة واستجابة لصوت التزيين الشيطاني.

الهيكلية البنائية للصوم تقوم على أساس الإمساك عن المفطرات لمدة زمنية يوميا، وهذه الممانعة النفسية والأخلاقية عن المفطرات المراد منها تقوية الإرادة الإنسانية وتغليب صوت العقل والضمير على ما اعتاده من الاستجابة لأهوائه دون تأنيب الضمير أو الحديث مع النفس حول الرجوع إلى الله تعالى والتوبة، فالصوم يقوي الإرادة وعليه أن ينطلق من مبدأ القوة هذا في ميادين الحياة لمغالبة شهواته والارتقاء بها نحو الطهارة النفسية.

وحديث النفس والتأمل في أحوالها ومعالجة الجوانب السلبية وتعزيز الجانب الإيجابي لا يقتصر على جانب معين، بل هي مراجعة شاملة لكل ما يحمله من أفكار وتصورات وإجراء مسح لها للتخلص مما تسلل دون تفحص لها، كما أن علاقاته الاجتماعية لا بد من مراجعتها بعد وضع أسس للاختيار وتجنب العلاقات العقيمة، وكذلك صفاته الأخلاقية وتجذر بعض المساوئ في النفس يحتاج لهمة وعمل للتخلص منها وتنظيف نفسه من سموم الكذب والحقد والأنانية وتبلد الوجدان تجاه آلام الآخرين.

وأهم السبل المعينة على يقظة النفس من سباتها كتاب الله تعالى من خلال التأمل في آياته وما تحمله من توجيهات ودروس مستخلصة، وكذلك ما تحمله الأدعية والمناجاة من مضامين وقيم تدعو لها، ترسخ في النفس النزاهة ووضع