آخر تحديث: 11 / 5 / 2024م - 8:01 م

على ضفاف نهر الذكرى: غُفران والقرآن

مع إشراقة ثاني أيام عيد الفطر السعيد الحالي، استقبلت روح ابنتنا غفران خلال شهر رمضان المنصرم سبعة آلاف ختمة أهديت إليها من عدد كبير من المؤمنين والمؤمنات، ليصل إجمالي ما أهدي إلى روحها من ختمات قرآنية أكثر من ثمانية عشر ألف ختمة قرآنية منذ رحيلها وحتى الآن.

لابنتنا غُفران علاقة خاصة ومميزة مع القرآن الكريم من جوانب عدة.

هي تتعاهد تلاوة آيات الذكر الحكيم كل يوم وليلة، ولا تنحصر تلاوتها له في المواسم الخاصة كشهر رمضان.

كانت في شهر رمضان تكثف أكثر من ارتباطها بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا.

غُفران كانت تمتلك جانبا قويا في اللغة والبلاغة، ولذا كانت تدرك المعاني والدلالات العميقة لآي الذكر الحكيم، وقد انعكس ذلك في سلوكها الحياتي، فمنهجها الحياتي كان ترجمة للمنهج القرآني.

كان القرآن يمثل نورًا لحياتها، تأنس بإشراقته في جنبات قلبها وروحها

وهذه رسالة من معلمة الدين ارسلتها في أولى أيام رحيلها:

" اللهم اغفر لغفران

فعلاً كانت طالبة متميزة

هدوء وأدب وامتياز وقراءتها للقرآن رائعة بتجويد وترتيل

يشعر كل من يسمعها بالسكينة

اللهم اجعل كل حرف قرأته من كتابك كالجبل العظيم في ميزان حسناتها

اللهم اغفر لها وارحمها، واعف عنها يارب العالمين

معلمة الدين"

لذلك لم استغرب ان تهدى إلى روحها أكثر من ثمانية عشر ألف ختمة قرآنية كاملة منذ رحيلها وحتى كتابة هذه الأحرف.

وهذا هو عطاء إلهي أتحفها الله سبحانه وتعالى به، مكافأة لها على اهتمامها بكتابه العزيز، وما أعده الله سبحانه وتعالى في الآخرة هو بلا شك أضعاف ما نراه، لإيماننا بسعة كرم الله وعظيم عطائه مع عباده الذين أخلصوا عبادتهم له كغفران.

غفران كانت متألقة علميا، وغزيرة المعلومات ثقافيا، وقوية الإيمان دينيا، وواسعة العطاء اجتماعيا، وذات قلم أدبي متألق، وأيضا ذات خط فني جميل، وذات عقلية كبيرة راجحة تفوق عمرها الزمني بمراحل.

كانت غُفران نجما إنسانيا يشع بالنور، وذلك بسبب ما تمتلكه روحها من جوانب كمالية عالية، وإذا ارتقت الروح إلى عالم الكمال، فإنها تكون مصدرا يشع بالنور، وكذلك كانت غُفران.

شاركتنا فرحة العيد يوم العيد وليلة رحيلها، وكانت مسرورة غاية السرور بذلك، حيث عبرت في حسابها، أنه من أجمل الأعياد التي مرت عليها.

في نهاية رحلة مع الله سبحانه وتعالى في أجواء شهر رمضان النورانية وما فيها من تلاوة للقرآن والأدعية والمناجاة واللقاء الأعظم مع الله سبحانه وتعالى في ليالي القدر، وبعد أن استلمت غفران جائزتها من خالقها يوم العيد، أراد الله أن يختارها إلى جواره في نهاية رحلة النور، فجر ليلة ثاني عيد الفطر السعيد عام 1441 ه

خلق الله غفران إنسانا، ولقد اجتهدت غفران في هذه الحياة، وأضاءت حياة من حولها، وكانت إنسانا يوم رحيلها.

رحيل غفران كان سببه سكتة قلبية مفاجئة، ولم يكن لدى غفران أي مقدمات لوجود أي نوع من الأسباب التي تؤدي لحدوث السكتة القلبية المفاجئة.

حظيت غُفران بكثير من الأعمال التي أهديت إلى روحها من عدد من المؤمنين والمؤمنات خارج دائرة الأسرة، ومن مختلف أرجاء وطننا الغالي نحو التبرعات المالية باسمها لجمعية إحسان والجمعيات الخيرية الرسمية، والمشاركة في دعم المشاريع الخيرية نيابة عنها نحو مشروع كفالة الأيتام عن طريق الجمعيات الخيرية الرسمية، وإهداء الصلاة والصيام والعمرة إلى روحها، مضافا إلى ما تقدمت الإشارة إليه من ختمات قرآنية كثيرة جدا.

كذلك حظيت برثاء عدد من شعراء المحافظة، وكتابات نثرية حول جوانب حياتها ومن أبرز هؤلاء الكتاب الأستاذة الكاتبة الإسلامية نداء الأحمد حيث كتبت عن غُفران سلسلة من المقالات، كل مقال حول إبراز جانب معين من جوانب شخصيتها، وكذلك الكاتب الإسلامي الكبير علي عساكر الذي كتب حول شخصيتها كتابا أسماه ”غُفران ابنة الجنة“ تناول عدة محاور من جوانب شخصية غُفران.

أنا لدي إيمان قوي بالله وبحكمته، وتسليم كامل لله سبحانه وتعالى، وليس لدي أي اعتراض أبدا على رحيل غفران.

بل قد أرى نفسي في بعض الاحيان أنانيا، لو أتيح لي الخيار في عودة غفران إلى الحياة ووافقت سأكون أنانيا، لأنني سأنقلها من عالم متسع إلى عالم ضيق.

غفران الآن تنعم إن شاء الله تعالى في روضات الجنان، فإن معرفتي القريبة جدا بسجل غفران الإيماني المشرق، ويقيني القوي بعظمة كرم الله سبحانه وتعالى، وقوة حسن ظني بالله سبحانه وتعالى، يجعلني اطمئن بأن قبر غفران الآن روضة من روضات الجنان.

وهي أيضا لو قيل لها هل ستوافقين للعودة إلى أهلك، فقد لا توافق، بالرغم من أنها كانت مدللة بيننا، وتعيش قمة السعادة الأسرية، والجميع يحبها من البيت وخارجه.

العيش في عالم الآخرة هو حلم عند غفران كانت تسعى لتحقيقه ضمن الشروط التي تراها ضمن رضا الله سبحانه وتعالى.

رحيلها كان نتيجة، لمن يعرف تعلقها بالله وشوقها إليه واللذة العميقة التي كانت لديها في مناجاته، وكما يبدو كان هناك طلب ملح منها على الله سبحانه وتعالى في شهر رمضان المبارك أن يحقق لها هذا الحلم الذي ترى فيه سعادتها، فحقق لها ما أرادت، فقد قرأت دعاء الجوشن الكبير ثلاث مرات، والجوشن الصغير خمس مرات في شهر رمضان، وقراءة أي منهما ثلاث مرات من الضمانات لدخول الجنة، كما في الروايات الشريفة، مضافا إلى ذلك سجلها الإيماني الحافل بالكثير من الإشراقات الإيمانية، التي تجعلها في مصاف السالكين العرفاء.

هي اتخذت هذا الدعاء الشريف شعارا لها: اللَّهُمَّ ارزُقني التَّجافي عَن دارِ الغُرورِ، وَالإنابَةَ إلى دارِ الخُلودِ وَالاستِعدادِ لِلمَوتِ قَبلَ حُلولِ الفَوتِ.

مع أنها موجودة في بيئة تحتضنها بكل جوانب الحب.

كانت حياة ابنتنا غُفران صفحات من نور في سجل هذه الحياة.

لذا فإن معاينة تلك الأنوار المتجلية من ذلك السجل تجعل الإنسان يدرك أي روح عالية كانت تحملها غُفران التي كان اسمها ترجمة عملية لمنهجها في هذه الحياة.

انتقلت غفران إلى عالم الخلود وهي في أوج فرحها، وأوج اتصالها مع الله سبحانه وتعالى، وأوج حب من حولها لها، وأوج حبها لمن حولها.

وأشكر كل المؤمنين الفضلاء والمؤمنات الفاضلات والمؤمنين الفضلاء، الذين قدموا لها آلاف الختمات القرآنية، وجعلوا غفران من ضمن المشمولات يوميا في أدعيتهم وفي صلاة الليل، والأعمال العبادية والخيرية الأخرى، وهذا يمثل جانبا عظيما من جانب المواساة الإنساني.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن تشملني شفاعة ابنتي غفران يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو حسن
4 / 5 / 2022م - 10:18 م
تغمدها الله بواسع رحمته
استشاري طب أطفال وحساسية