آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

لماذا يكذب أبناؤنا؟

ورد عن الإمام الحسين : الكذب عجز» «تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 246».

ما أعظم تلك الكلمات اللؤلؤية التي مع قصر عبارتها وقلة كلماتها فإنها تنطوي على معان قيمة تحتاج إلى تدبر وتأمل، وخصوصا ونحن اليوم أمام تلك الدراسات النفسية والاجتماعية المتكاثرة والتي تتناول السلوكيات الإنسانية وتسلط عليها أدوات البحث والتحقيق، وذلك لاستخراج خلاصات دراسات وبحوث تتناول مجمل الظواهر والسلوكيات والبحث عن العوامل المؤثرة فيها ومن ثم الوصول إلى نتائج ومعالجات، وإننا إذ نضع بين أيدي هؤلاء الباحثين مثل هذه الحكمة التي تخبر عن حقيقة الدوافع للكذب، وذلك للانطلاق من هذا المضمون المطروح لإشباعه بحثا من خلال معنى العجز المذكور، إذ العجز يعني عدم القدرة على مواجهة الواقع بسبب الظروف المحيطة به أو لعامل يكمن في نفسه، فالكاذب شخصية ضعيفة تتخلص من أي موقف يتطلب قول الحقيقة بالانسحاب منه بتزوير وتمويه الحقيقة، كما أن صاحب الشخصية القوية لا يأبه بقول الحقيقة ولا يرضخ للظروف المحيطة به الداعية للكذب، بينما نجد الكاذب يعمد إلى إخفاء الحقيقة لما يستتبع الصدق من تحمل للمسئولية ومواجهة للموقف بكل شجاعة واقتدار وهذا ما لا يمتلكه، كما أن الشخص السوي يثق بنفسه ولذا لا يتخوف من قول الحقيقة أما الكاذب لا يثق بنفسه ويعاني من شعور بالنقص والدونية ويجد في الكذب ما يكسبه موقعية ومكانة بين الآخرين بقول ما يرغبون فيه وإن خالف الحقيقة، فالكذاب شخص لا يعرف ما يمتلكه من قدرات تساعده على تفهم الواقع والتعامل معه بحكمة مع الحفاظ على مصداقيته، بل يعتقد أن اكتساب مكانته الاجتماعية واحترامه بين الآخرين يتم من خلال مسايرتهم والالتزام بما يرضيهم من خلال أسلوب المداهنة، ولكن هذا التصنع والنفاق الاجتماعي سرعان ما تنهار جداريته ويسقط القناع الذي يتلظى خلفه وتظهر تلك الحقيقة المتدارية وتبان معالم شخصيته الضعيفة، وهذا ما ينعكس على طريقة التعامل معه مستقبلا حيث يفقد مصداقيته ولا يحظى ما يخبر به بأي أهمية ولا يلفت أنظارهم!!

ويتبوأ الإنسان مكانته العلمية والاجتماعية من خلال ما يظهر منه من إنجازات وتقدمه العلمي والمهاري، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الجد والاجتهاد في المدرسة وبذل الوقت في سبيل تنمية قدراته وممارسة هواياته، ولكن من يتعاجز ويهمل ويقصر في دراسته ويميل لحياة اللهو واللعب باستمرار يجد نفسه متأخرا أمام أقرانه، وما يزيد من وضعه المتأزم هو أن الأهل يقارنونه بغيره من أفراد الأسرة مما يجعله يبحث عن مخرج يخفف عنه تلك الضغوط، وصاحب النفس الضعيفة يلجأ إلى الكذب وادعاء المهارات بما يحسن صورته ويجملها أمام الآخرين، إذ أنه يدرك حقيقة المكانة المميزة وما يمنحه الإعجاب فينسب لنفسه كذبا إنجازات سرعان ما تميط الأيام عن وجهه لثام البطولات المزيفة ويظهر على حقيقته!!

وأشرنا في ثنايا الحديث عن حالة الغيرة من أقرانه بسبب تقدمهم وتميزهم العلمي والمهاري عليه، وهذا ما يولد في نفس الشخص الضعيف الكراهية والمشاعر السلبية تجاههم، فيصب جام غضبه عليهم ويفكر بنحو سلبي تجاههم بما ينفس عن تلك الأحقاد، فيلجأ إلى الكذب بما يلحق بهم العقاب والضرر والأذى حتى يشبع إحساسه بالانتقام منهم تعويضا عن إخفاقاته، ولو عملت الأسرة على تعزيز شعوره بالثقة بالنفس وتشجيعه ومتابعته في تحقيق الواجبات المدرسية والمهارية، لكان ذلك أكبر عامل في تقبل نفسه والتخلص من الإحساس بالدونية.

وتصرفاتنا لا تخلو من الخطأ والتقصير، والعاقل يجعل من تلك الأخطاء درسا يتعلم منه ويحولها إلى مجموعة خبرات يستفيد منها مستقبلا، وأما صاحب الشخصية الضعيفة فيعمد إلى الكذب كوسيلة للتخلص من العقاب أو للتخلص من وجهات نظر الآخرين التي تنتقد عمله.

وقد يكون العامل الداعي للكذب هو والداه أو الأستاذ المربي في المؤسسة التعليمية، وذلك أنه له قدرة ومستوى معين يتحمل فيه الواجبات الملقاة على عاتقه، ولكن إذا مورس عليه الضغوط بما يفوق قدرته على التحمل يلجأ إلى الكذب للتخلص من التوبيخ والتأنيب.

كما أن المعاملة المتساوية من الوالدين وإظهار المحبة والاحترام لجميع الأبناء يعزز ثقتهم بأنفسهم والشعور بالمقبولية والمحبوبية، وأما إذا عانى الابن من التهميش والإهمال بما يشعره بأنه لا يستحق الاهتمام المنصب على إخوته، يلجأ حينها إلى ما يلفت الأنظار وينيله الأعجاب من خلال الكذب والتحدث عن وقائع مختلقة يضفي عليها بهارات تضخمها وتلفت عناية الأسرة.