آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 4:06 م

مكابدات زيارة المرضى في برج الدمام

أثير السادة *

ليس المريض وحده من يعاني وهو يمضي الساعات والأيام في انتظار التشافي في البرج الطبي بالدمام، فحتى الزوار لهم نصيب من المعاناة، معاناة تبدأ من الشارع المؤدي للمستشفى، مرورا بتقاطع شارع الملك سعود، فهنالك سيكون الواحد منهم على موعد مع إشارة لا تعرف اللون الأخضر، ولا الأحمر، إذا كان قادما من جهة طريق الخليج العربي بالتحديد، إشارة بكماء، لأكثر من شهر، والناس معها متعايشون، ينتظرون توقف كل الاتجاهات ليعرفوا أن الطريق لهم، فإذا ما توكلوا على الله وعبروا، ستقبض أنفاسهم الإشارة التالية في ساعات الذروة، وهي إشارة مستشفى الدمام المركزي عند تقاطع شارع الملك خالد، فلها مزاج متقلب، فيوما تفسح الطريق بما يكفي لعبور العديد من السيارات، ويوما تعلمهم الكثير من دروس الصبر وهي تغلق عينها في سرعة البرق، الأمر الذي يجعل من مشوار الزيارة للمستشفى يأكل جل الوقت المنذور لهذه الزيارة.

ولا تنتهي المعاناة عند هذا الحد، فما إن تصل للمستشفى ستدفع للوقوف في ساتول طويل لاستلام ورقة صغيرة، يكتب فيها اسمك واسم المريض الذي تود زيارته، في هذا الساتول ستجد الكثير من اللحى البيضاء التي أنهكها الزمن وحملتها المشاعر الإنسانية لبلوغ هذا المكان، دون أن تجد من يهبها التقدير والتوقير، والمشكلة أن البعض سيصل إلى مسئول منح التصاريح ليخبره بأن الزيارة مقتصرة على الأقارب من الدرجة الأولى، أب أو أم أو أخ أو ابن، لتبدأ هنالك صيحات الخيبة، خيبة المشوار، وخيبة الخسران لعدم الظفر بمعاودة المريض والاطمئنان على صحته، كل شيء هناك يوحي بأننا لم نعرف التقنية ولم تؤدبنا الجائحة بآدابها، حيث كان بالإمكان تحويلها إلى تصاريح إلكترونية والاكتفاء بضبط عملية الدخول والخروج من أجل ضمان تطبيق كافة البروتوكولات المتبعة بالجائحة.

لا يوجد في المكان أي إعلان أو لوحة تفيد بطبيعة الإجراءات المتبعة لزوار المستشفيات، ما يجعل الناس في حيرة من أمرهم، ويجعل من متعهدي استصدار تصاريح الزيارة في اجتهاد دائم، فمرة يسمحون ومرة يمنعون، ومتى ما وجدوا الزحام يحاصرهم، راحوا يتشبثون بالنظام، وينسون روحه، وقيمه، وقد شاهدت هذه الليلة زوجة مريض وهي تجادل المدير المناوب في الفترة المسائية بعد الامتناع عن منحها تصريح زيارة، وهو يحاول الاحتماء -  في لحظة من لحظات الاستقواء بالمركز - بالمطالبة بإثبات ما يفيد بأنها زوجته، بينما يرافقها ابنها الأكبر الذي كان يكفي الاطلاع على إثباته لإثبات صلة القرابة، في لقطة تشير إلى ضرورة توافر حس إنساني عالٍ لدى المسئولين في مواقع الصحة.

الاجتهادات كثيرة، والبروتوكولات الوقائية التي أصدرتها هيئة الصحة العامة لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى اقتصار الزيارة على الأقارب من الدرجة الأولى لمرضى الأجنحة العامة، بل هي فقط تمنع زيارة من ليس لهم علاقة بالمرضى كالمتطوعين، وهذه الاجتهادات وغيرهما عموما لا تليق بمنشأة حديثة، ولا بوزارة أثبتت جاهزيتها وقدرتها خلال الجائحة، فجزء من صحة المريض هي صحته النفسية، وتواصله مع أقاربه وأحبابه، وأي أذى يلحق بزائريه لسبب أو آخر سيكون سببا لإيذائه أيضا وزيادته مرضا على مرض!.

وبس.