آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 11:51 ص

بحث جديد أثبت أن البشر يمتلكون حكمة غذائيًة مدهشة

عدنان أحمد الحاجي *

25 أبريل 2022

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 122 لسنة 2022

New research shows humans possess surprising nutritional intelligence

25 April 2022

تهدف الدراسة الدولية، التي قادتها جامعة بريستول «المملكة المتحدة»، إلى إعادة مناقشة واختبار وجهة النظر السائدة على نطاق واسع بأن البشر تطوروا ليفضلوا الأطعمة الغنية بالطاقة وأن تكون وجباتنا الغذائية متوازنة وذلك بتناول أنواع مختلفة من الأطعمة. وعلى النقيض من هذا الاعتقاد، كشفت النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن الناس لديهم ”حكمة غذائية“، حيث تُختار الأطعمة جزئيًا لاستيفاء حاجتنا من الفيتامينات والمعادن ولتجنب نقص التغذية. [المترجم: الحكمة الغذائية تعني في الأساس أن البشر لديهم القدرة على اختيار وجباتهم حدسيًا بناءً على قيمتها الغذائية وتنوعها حتى لو لم يكونوا على دراية بهذه المعلومات[1] 

قال المؤلف الرئيس جيف برونستروم Jeff Brunstrom، برفسور علم النفس التجريبي: ”نتائج دراساتنا لها دلالة كبيرة ومفاجئة إلى حد ما. لأول مرة منذ ما يقرب من قرن من الزمن، أثبتنا أن البشر متقدمون في اختياراتهم الغذائية، ويبدو أنهم يختارونها بناءً على محتوياتها من المغذيات الدقيقة [الفيتمينات + المعادن] المعينة لا مجرد أنهم يتناولون ما هب ودب ويحصلون على ما يحتاجون إليه بصورة تلقائية“.

الورقة المنشورة في مجلة الشهية Appetite2 تعطي اعتبارًا متجدداً لنتائج البحوث الجريئة التي أجرتها في الثلاثينيات من القرن الماضي طبيبة الأطفال الأمريكية، الدكتورة كلارا ديڤيس Clara Davis، التي وضعت مجموعة من 15 طفلاً على نظام غذائي سمح لهم ”بالاختيار الذاتي“، بعبارة أخرى يأكلون ما يريدون، من 33 نوعًا من أغذية مختلفة. على الرغم من أنه لم يأكل أي طفل من هؤلاء نفس توليفة أنواع الأطعمة، فقد بلغوا جميعًا حالة صحية جيدة واستمروا في الحفاظ عليها، والتي اعتبرت دليلاً على ”الحكمة الغذائية“.

النتائج التي توصلت لها كلارا ديڤيس أُختبرت لاحقًا واُنتقدت، لكن تكرار اجراء بحث ديڤيس لم يكن ممكنًا لأن هذا الشكل من التجارب على الأطفال يعتبر اليوم غير أخلاقي. ونتيجةً لذلك، فقد مر ما يقرب من قرن من الزمان ولم يحاول أي باحث إيجاد دليل على الحكمة الغذائية لدى البشر - وهي مَلكة موجودة أيضًا لدى حيوانات أخرى، كالأغنام والقوارض.

للتغلب على هذه العوائق، طور فريق البروفيسور برونستروم أسلوبًا جديدًا يتضمن قياس التفضيل / الميل وذلك بعرض صور لتوليفات زوجية من فواكه وخضروات بحيث يمكن تحليل خياراتهم دون تعريض صحتهم أو رفاهيتهم للخطر.

الشكل. توضيح نموذجي للدراسة الأولى. عُرض على المشاركين 6 أطعمة مختلفة «أ»، والتي قُرنت بأطعمة أخرى لتوليد ستة أنواع من أزواج مكررة و15 نوعًا من أزواج متنوعة «ب». في مهمة اختيار قسري ببديلين، عُرض كل زوج «N = 21» بجانب كل زوج آخر في سلسلة من 210 تجربة «ج». استجاب المشاركون باختيار إما ”الزوج الأيسر“ أو ”الزوج الأيمن“ باستخدام فأرة الكمبيوتر.

في المجموع شارك 128 راشدًا في تجربتين. أظهرت الدراسة الأولى أن الناس يفضلون توليفة من أنواع غذائية معينة أكثر من غيرها. على سبيل المثال، قد تُختار توليفة التفاح مع الموز [لتناسبها معًا] أكثر بقليل مما تُختار توليفة التفاح مع العليق «التوت البري». بشكل ملحوظ، يبدو أنه يمكن التنبوء بهذه التفضيلات من خلال كميات المغذيات الدقيقة الموجودة في زوج أغذية وما إذا كانت التوليفة بين هذا الزوج توفر توازنًا بين المغذيات الدقيقة المختلفة فيه. للتأكد من ذلك، أجرا الباحثان تجربة ثانية على أطعمة مختلفة واستبعدوا التفسيرات الأخرى.

لاستكمال هذه النتائج والتحقق منها، تمت دراسة توليفات من أنواع من الوجبات في العالم الحقيقي [أي ما يمارسه الناس على أرض الواقع] كما ورد في المسح الوطني للنظام الغذائي والتغذية في المملكة المتحدة[3] . وبالمثل، هذه البيانات أثبتت أن الناس يولفون بين أنواع من الوجبات بطريقة تزيد من تناولهم للمغذيات الدقيقة في نظامهم الغذائي. على وجه التحديد، يبدو أن مكونات الوجبات الشعبية في المملكة المتحدة، على سبيل المثال توليفة ”السمك ورقائق البطاطس“ أو توليفة ”الكاري والأرز“، تزودهم بنطاق أوسع من المغذيات الدقيقة مقارنة بتوليفات من أنواع من الوجبات اختيرت عشوائيًا، مثل توليفة ”رقائق البطاطس والكاري“.

الدراسة جديرة بالملاحظة أيضًا لأنها تتميز بتعاون غير عادي. المؤلف المشارك للبروفيسور برونستروم هو مارك شاتزكر Mark Schatzker، صحفي وكاتب، وهو أيضًا كاتب مقيم في مركز أبحاث النظام الغذائي الحديث والفيسلوجيا التابع لجامعة ييل. في عام 2018، التقى الباحثان في فلوريدا في الاجتماع السنوي لجمعية دراسة سلوك الأكل والشرب[4] ، حيث ألقى شاتزكر محاضرةً عن كتابه، تأثير دوريتو[5] ، الذي يناقش كيف تغيرت نكهة الأطعمة الطبيعية والأطعمة المصنعة / المعلبة، والآثار المترتبة على الصحة وممارسات العادات الصحية بشكل يومي للحصول علي مخرجات صحية «ترجمة بالمعنى لكلمة wellness6».

كتاب ”تأثير دوريتو“

ومن المثير للاهتمام أن بحث البروفيسور برونستروم ومارك شاتزكر نشأ عن خلاف بين الباحثين حول الموضوع.

أوضح البروفيسور برونستروم ذلك الخلاف بقوله: "لقد حضرت محاضرة رائعة لمارك والتي طعنت في وجهة النظر السائدة بين علماء التغذية السلوكية [المترجم: التغذية السلوكية هي عبارة عن التصرفات اليومية التي يقوم بها الناس فيما يتعلق بالتغذية[7] بأن البشر يبحثون فقط عن السعرات الحرارية في الغذاء. وأشار، على سبيل المثال، إلى أن التوابل النادرة والفطر البري مطلوبة بشدة ولكنها مصدر يفتقر إلى سعرات حرارية.

”كان هذا كله مثيرًا للفضول، لذلك ذهبت لأتحدث معه في النهاية وقلت له:“ محاضرة رائعة، لكنني أعتقد أنك ربما لم تكن على صواب. هل تريد أن تجري تجربةً على ذلك؟ كان هذا بمثابة بداية هذه الرحلة البحثية الرائعة، والتي بينت أنه أنا من كان مخطئًا في النهاية. بعيدًا عن كون البشر غير متخصصين وسُذجًا إلى حد ما، كما كان يُعتقد سابقًا، إلّا أنهم يمتلكون ذكاءً مميزًا عندما يتعلق الأمر باختيارهم للطعام المغذي.

وأضاف مارك شاتزكر: ”البحث يطرح أسئلة مهمة، لا سيما في البيئة / السياقات الغذائية[8]  الحديثة [المترجم: الأغذية الحديثة هي الأغذية المصنعة / المعلبة التي تتعرض لمعالجة تحت درجات حرارة مرتفعة وتضاف البها نكهات ومواد ملونِة وحافظة[9] . على سبيل المثال، هل تعلُقنا الثقافي بهوس الحمية الغذائية[10] ، التي تحد من استهلاك أنواع معينة من الأطعمة أو تحجبها تعرقل أو تربك هذا“ الحكمة ”الغذائية بوسائل لا نفهمها؟“

أثبتت الدراسات أن الحيوانات تستخدم النكهة كدليل على وجود الفيتامينات والمعادن التي تحتاجها. إذا كانت النكهة تؤدي دورًا مشابهًا بالنسبة للبشر، فقد نؤصل في أذهاننا بريق الأطعمة السريعة، مثل رقائق البطاطس والمشروبات الغازية بإضافة نكهات إليها. بعبارة أخرى، قد تحول صناعة المواد الغذائية حكمتنا الغذائية ضدنا، وتجعلنا نأكل طعامًا من شأننا أن نتجنب أكله عادةً، وبالتالي نساهم في انتشار وباء السمنة ".

مصادر من داخل وخارج النص

[1]  https://cutt.ly/XHk9Stc
[2]  https://cutt.ly/NHk9HsV
[3]  https://cutt.ly/NHk9HsV
[4]  https://cutt.ly/uHk9JF4

[5]  ”كتاب تأثير دوريتو“ يُلقي الضّوء على مشكل فقدان الغذاء الذي نستهلكه للمذاق والنّهكات الطّبيعية التي يُفترض أن تحتويها، بسبب السّباق المحموم بشأن تحقيق مردودية إنتاجية أعلى سواءً في المحاصيل الزراعية أو الحيوانية، ومساعي شركات الغذاء تغطية فقدان تلك النهكات والمذاقات بنكهات اصطناعية، تسبّبت في عدة مشاكل صحّية أبرزها مشكل السمنة. يُمكن تلخيص الكتاب في نقاط سريعة: الكائنات الحيّة «البشر والحيوانات» بُرمجت على حبّ الأغذية اللذيذة. على عكس ما يُشاع حاليًا فإن الغذاء اللذيذ هو الغذاء الصّحي «شريطة أن تكون تلك اللّذّة وتلك النُكهات طبيعية وليس اصطناعية». إن وجدت بأن جسمك“يحنّ”إلى أكل مُعيّن فاعلم بأن جسمك يُرسل لك رسالة مفادها بأنّه «أي جسمك» يحتاج إلى بعض المُكوّنات «فيتامينات، أملاح، …» موجودة في ذلك الغذاء. بعبارة أخرى، هناك ارتباط قوي ما بين اللذة / النكهة الطبيعية والفائدة المرجوة منها. هناك ما يُسمى ب”الحِكمة الغذائية”لدى البشر ولدى الحيوانات على حد سواءً، ما لم تتعرّض هذه الحِكمة للتخريب «عبر الاستهلاك المُستمر للأكل غير الصّحّي» فإن الكائن الحي سيختار ما يحتاجه جسمه من غذاء وسيأكل قدر ما يحتاجه فقط دون إفراط حتى ولو توفّر له الغذاء بكميات كبيرة جدًا «جُرّب الأمر على أطفال صغار وتبيّنت صحة الأمر» خلاصة الكتاب: المشكل الغذاء الحالي هو مشكل نكهات وذوق. إن حلّينا هذا المشكل الأخير فإننا سنحل مشكل الغذاء غير الصّحي.." مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://cutt.ly/sHk9VkE

[6]  https://cutt.ly/xHk9Ngo
[7]  https://cutt.ly/bHk9MLs

[8]  ”البيئات / السياقات الغذائية هي السياقات المادية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي يتفاعل فيها الناس مع الغذاء لاتخاذ قراراتهم بشأن الحصول على الطعام وإعداده واستهلاكه. البيئات الغذائية هي مزيج من“ الأماكن ”التي يتخذ فيها الأشخاص قرارات بشأن الأطعمة والمشروبات المتوفرة ويسهل الوصول إليها وبأسعار معقولة ومرغوبة في تلك الأماكن.“ ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://cutt.ly/6Hk90Tr

[9]  https://cutt.ly/bHk99kX

[10]  ”هوس الحمية الغذائية هو اتباع أنظمة غذائية لإنقاص الوزن تعتمِد على الإقلال من الطعام مُدة مُعينة ووعودًا بخسارة الوزن وكذلك العديد من المزايا الصحية الأُخرى كحياة أطول، وإن كان ذلك غير مستند بقوة على أدلة علمية، وفي كثير من الأحيان يؤيد المشاهير هذا النوع من الأنظمة الغذائية مما يُولد عائدا كبيرا لمُدعيه.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://cutt.ly/WHk93lX

المصدر الرئيس
https://cutt.ly/2Hk94Bv