آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

الخليج كظاهرة غنائية

أثير السادة *

لا أعرف ناديا من أندية المنطقة يتفيأ شجرة من أغان كالخليج، كلما اتسع بهم طريق الحلم راحوا يغنون، حتى باتت ذاكرتهم اليوم بحرا متلاطما من القصائد الغنائية التي تتدفق في حب الشعار والأرض والناس، منذ الحفل التاريخي للنادي أواخر الثمانينات بكل ما فيه من خرق موسيقي لآذان المكان الذي للتو دخل في صحوة التدين، مرورا بشريط المطرب الكويتي عبدالكريم عبدالقادر في مديح الخليج، وحتى الفصل الأخير الذي جلب شعراء المآتم ومنشديها على باب الغناء الرياضي.

كبحارة لا يأنسون البحر إلا بالغناء، ولا يعرفون العمل إلا على إيقاع النغم، يتخير محبو هذا النادي لمدينتهم أن تكون عاصمة للغناء الرياضي، كلما اعشوشبت الآمال في طريق النجاح راحوا يقطفون من حديقة أمنياتهم أغنية جديدة كالحرز لهذا الفرح القادم، أغنية ستذكر في الغالب بالبحر والشراع والدانة، وبالمدينة التي يجهدون لانتشالها من لحظات الغياب، لتبقى حاضرة ما حضر النادي، هذا الشعور بأن النادي هو رافعة المكان هو ما يدفع من مستوى الغنائية في أشعارهم، ومستوى الاعتقاد بالتلازم بين الاثنين حين الإشارة إلى موطن أفراحهم.

لو فتشنا في الذاكرة، لن نجد مساحة للتغني بالمكان قبل جنون الرياضة، تكاد سيهات تمعن في الغياب قبل تاريخ الرياضة، وما الاتكاء الدائم على أبيات أبي البحر الخطي إلا محاولة لتعويض هذا النقص في دفاتر السيرة، وهي أبيات من قصيدة لم تختص بسيهات لوحدها، وإنما جاءت الإشارة إليها عرضا، فيما غابت البلدة عن نصوص الأدب قبل هذه الأبيات وبعدها.. القصائد الكثيرة التي كتبتها المراكب البحرية في الزمن القديم لا تجاد لها مكانا على ساحل الأدب، عناوين المغامرة والقوة والتحدي ظلت مكتوبة على أطراف الساحل، ليمحوها المد والجزر، قبل أن يرفع مسوداتها أهل الغناء للخليج ويعيدون كتابتها من جديد.

صورة المدينة كما صورة النادي حافلة بالغنائية، وبالإيقاع، فهم يطلبون الفرح بالغناء، ويطردون الخوف بالغناء، ويعلنون الحرب على الحظ السيء بالغناء، وإذا ما ضاقت بهم عزلة الألقاب والانجازات، راحوا يتغنون بالمجد القديم، ويذكرون العالم بأن الفرح هو لحنهم الأول والأخير..