آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

صناعة مستقبل أبنائنا

‎يبدأ صنع مستقبل باهر ووجود واعد من خلال طريقة التفكير التي ينظر من خلالها الفرد إلى مواهبه وقدراته وما يتواجد على الواقع مما يناسبه ليصنع دائرة أمنياته وأهدافه، وتبدأ رحلة الآمال والطموحات من أحلام تداعب عقل ومشاعر الأطفال، فيخوضون في تصورات بلهاء لما سيكون عليه مستقبلهم من مهن تحوز على مكانة اجتماعية في بيئته بطريقة عشوائية غير مدروسة، كما أن المخترعات القائمة على القدرات الخارقة - والتي تفوق مستوى حتى البشر - لا تفارق مخيلته، وتبلور التصور الواضح لخطى الفرد نحو النجاح وتحقيق الأهداف يأتي بعد ذلك، وتؤثر فيه عوامل متعددة قد تأخذ المنحى الإيجابي المساند والمساعد على مستوى التخطيط النظري والتطبيق، أو المنحى السلبي إن شكل مانعا أو ضاغطا على الابن بحيث لا يتيح له فرصة التعبير عن نفسه وعن تطلعاته ومناقشته حولها.

‎الوالدان يعدان الركيزة الأساسية في بناء المستقبل المشرق لأبنائهم إذا كانا عنصرين فاعلين وقريبين من عالم أطفالهم، فالوالدان يتعرفان على محددات شخصية ابنهم وصفاته النفسية والاجتماعية وما يتحلى به من قدرات وملكات مختلفة، فيساعدانه على التعرف على هويته وقدراته القابلة للنمو والازدهار، ويؤديان دور التشجيع والمؤازرة لجهوده المبذولة لتحقيق أهدافه، ويخففان عنه عناء وضغوط الدراسة وممارسة المهارات، وفي أي مرحلة يخفق أداؤه يساعدانه في طرد شبح اليأس وفقدان الثقة بالنفس، فيجلسان معه ويستمعان لما يدور في ذهنه ويناقشانه في طريقة تفكيره وتنفيذه للمهام الملقاة على عاتقه، كما أن تحمل المسئولية والتحرك في إطار الأمل والطموح لا يأتي للطفل من فراغ بل هو صنيعة جناحين يحلق بهما في فضاء المنجزات وهما والداه، فهذه المشاطرة في الاهتمامات والأهداف والخطى التي يعمل على إنجازها هي الدور الفاعل والنشط من قبل الوالدين الذي يحتاجه الطفل، فالتربية والتوجيه والدخول في عالمه الصغير يأخذ به نحو التفوق وتكوين معالم شخصيته والعمل على تطويرها وتنميتها، فطريقة التفكير - مثلا - تتبلور من خلال تنمية هذه المهارة في المدرسة والبيت وتلك المناهج اللا صفية التي يتلقاها، فيمارس البحث والاستنتاج والتقييم وتخمين النهايات في القصص ويخوض المسابقات الثقافية والتعليمية، كما أن الحوار الذي يفسح له المجال في طرح تصوراته ومناقشته حولها سيبلغ به قمة الهرم في التفكير.

‎العالم الصغير للأطفال ينتظر مشاركة إيجابية من الوالدين يرعيان فيه تلك الآمال والتطلعات التي يترقبها في مستقبله دون ممارسة أي ظغوط عليه، إذ يعمد بعض الآباء والأمهات إلى فرض وجودهما بالقوة بما يتناسب وتطلعاتهما دون أن يرجعا لابنهما بالتعرف على ما يأمله، ويتفهم الجميع ذلك الحرص على توجيهه نحو النجاح وتجنيبه كل الخطوط الحمراء الأخلاقية والاجتماعية، وخصوصا ونحن نعيش في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة نتيجة وسائل التواصل الاجتماعي والمواد المعروضة من خلالها، ولكن هذا الاهتمام والرعاية لا ينبغي أن تسير في الطريق الخاطيء الذي يخنق الطفل ويلغي وجوده ولا يتقبل وجهات نظره، وإذا أردنا أن يكون تحت عين الرقابة والمتابعة فلا ينبغي التجسس عليه، وإنما يتم ذلك من خلال تكوين حالة الرقابة الذاتية عنده وتدريبه على النظر في نتائج الخطوات والقرارات التي يتخذها؛ ليتبين له المساويء والنتائج السلبية التي يمكن أن تنتج عنها أو المكتسبات المتوخاة منها والموازنة بين الجهتين.

‎ويقدم الوالدان مشاطرة حقيقية في صنع مستقبل ابنهم من خلال توفير مظلة الأمان والاستقرار الأسري له، فإغداق المشاعر العاطفية والحب له - بما يشعره بمقبوليته ومحبوبيته في ذلك الوسط - يشكل دفعة تشجيع قوية تعزز ثقته بنفسه، وتحميه من الإحباط إذا واجه عراقيل أو عثرات وإنما ينهض مجددا متسلحا بالأمل و‎التفاؤل.

‎ومن جوانب إعداد الأبناء لتكوين شخصية قوية ومستقلة هو الاهتمام والرعاية للجانب الاجتماعي وطريقة اختيار الأصدقاء المناسبين له، ومتى ما امتلك معايير الاختيار فإنه سيمتلك آلية تقييم الشخصيات ويكتشف ما يحملونه من أفكار وسلوكيات، فإبعاده عن أصدقاء السوء لا يكون بالجبر والتعنيف الذي قد يولد عنده حالة من العناد لشعوره بانتقاص شخصيته، بل يكون بمحاورته حول تلك الأسس التي تكسبه أصدقاء يدلونه على الخير ويوجهونه نحو العمل المثابر.