آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:51 ص

السيدة فاطمة المعصومة (ع) قدوة الفتيات

تنال فكرة القدوة الحسنة التي يترسم الشباب والفتيات خطاها فكرا وسلوكا أهمية كبرى، وذلك أن الملكات والقدرات المكنونة في كل فرد تحتاج في إبرازها وتنميتها إلى محاكاة نماذج تقدم لهم من قبل الوالدين، وخصوصا ونحن في عصر يتشارك مع الوالدين عوامل مستجدة في تربية الأبناء وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تؤثر - بما تبثه من مواد معروضة - على طريقة تفكير الفتاة ونظرتها للحياة والقيم الأخلاقية والآداب المجتمعية، ولا يخفى على أحد تلك الهجمات الفكرية والسلوكية التي تحاول أن تغير الهوية الثقافية للفتيات من خلال الكلمات الرنانة الداعية إلى التفلت الأخلاقي باسم التمدن والتقدم والحضارة!!

يتحمل الوالدان مسؤولية تربية أبنائهم ودعوتهم إلى التحلي بالقيم الأخلاقية والاجتماعية، ومن أقوى تلك السبل الداعية لنضج أفكارهم وتقويم سلوكياتهم، هو التطلع إلى تلك السيرة العطرة لفتاة حازت درجات الفضيلة والمعرفة وجعلت من عمرها القصير مورد بركة وعطاء فتتخذها قدوة لها في الحياة، مما يعزز ثقة الفتاة بنفسها وقدرتها على شق طريق الرقي والتألق على كافة المستويات وتنمية جوانب شخصيتها، فعلى مستوى علاقتها بخالقها وعملها على تكوين رصيدها الأخروي وبلوغ درجات من القرب من الله تعالى تحد أمامها تلك المرأة الصافة قدميها في محراب الطاعة والعبادة، والعبادة الواعية ليست بانقطاع عن الدنيا والانزواء والعزلة عن الناس، بل هي شعاع نوراني يتحرك في النفس ليكسبها الإحساس بالطمأنينة والثقة بالتدبير الإلهي والتمسك بنحو مستمر بالأمل والتغيير نحو الأفضل، فهذه السيدة المعصومة العابدة كانت كجدتها الزهراء تؤدي دورها الرسالي والتبليغي والمعرفي، فالمعصومة تلقب بالمحدثة لأنها كانت تروي الروايات الشريفة عن جدها المصطفى وأهل البيت وتبين ما تتضمنه تلك الروايات الشريفة من أحكام شرعية وعقائد وآداب أخلاقية، ونحن أمام سيرة هذه المرأة العظيمة نبث الأمل ونشجع الفتيات لبلوغ أعلى الدرجات العلمية مع محافظتها على عفتها وقيمها الأخلاقية، فتفوز تلك الفتاة بالسعادة في الدنيا بتحقيق أهدافها وطموحاتها واضعة نصب عينيها المعصومة المبلغة، والسعادة في الآخرة بطلبها لرضا المعبود وأداء الفرائض الإلهية.

لقد حازت هذه المرأة مكانة عظيمة تدل على ما كانت تتمتع به من ملكات روحية ومعرفية وسلوكية كمالية، ولا غرو فقد نشأت في أحضان بيت الإمامة وتلقت معالم نشأتها وتربيتها على يدي أبيها الإمام الكاظم ، وهو ممن شهد بمكانتها العالية في قضية الوفد الذي وصل إلى المدينة فأجابت المعصومة على أسئلتهم، ولما رجع وعلم بالموقف، قال ثلاثا: فداها أبوها، وهذا - بلا شك - له دلالته فالمعصوم عندما يفدي نفسه الشريفة ويجعلها الوقى لأحد فهذا يدل على مكانته ورفعة شأنه عند الله تعالى، وهذه التفدية تتضمن الإشارة لما يمتلكه المفدى من ملكات روحية ومعرفية وسلوكية عالية قد بلغت به أعلى درجات الرقي والسمو في عالم الفضيلة.

فالسيدة المعصومة من سلالة أهل بيت اتصفوا بكل معاني الطهر والكمال في جميع جوانب حياتهم ومواقفهم وكلماتهم النيرة، وكذلك هذه النجمة المضيئة في عالم العظمة والألق اتصفت بالانقطاع إلى الله تعالى والعبادة الواعية، وهذا بيت النور في قم المقدسة من الآثار المباركة التي تذكرنا بما كانت عليه هذه العظيمة من أنس وطمأنينة بذكر الله تعالى، حتى بلغت أعلى درجات الكمال وهي العصمة المكتسبة، والتي تتأتى من خلال مراقبة النفس والتشديد على الجوارح بمجانبة الرذائل والمعاصي، فكانت تلك الدرة المكنونة التي شعت من سيرتها العطرة كل معاني السمو والتألق.

ولقد كان للسيدة المعصومة تلك البركات بعد رحيلها من الدنيا فأضحى مرقدها الشريف منارة علمية يقصدها عشاق العلم والمعرفة من كل مكان، وينبوع يزخر باللآلئ المرجعية الرشيدة التي تحافظ على بيضة الإسلام وتشكل محورية في حياة المؤمنين في جميع الجوانب، وحصن منيع في وجه الشبهات والأفكار التي تحاول تضليل الناس وتنفيرهم عن القيم الدينية.