آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 12:46 م

المراجعة الذاتية

ورد عن الإمام الصادق : حقٌّ على كُلِّ مُسلمٍ يعرفُنا أنْ يعرضَ عملَه في كُلِّ يومٍ وليلةٍ على نفسِه فيكونَ مُحاسبَ نفسِه، فإنْ رأى حسنةً استزادَ منها، وإن رأى سيئةً استغفرَ منها لئلا يخزي يوم القيامة» «تحف العقول ص 301».

في ميدان المعركة وبعد أن يقطع المقاتل مقدارا من الوقت وهو يعمل على تحقيق هدفه الذي أعده بدقة، وفق خطة محكمة قد راعى فيها ما تحتاجه كل مرحلة من إعدادات وإمكانيات وما سيواجهه من عثرات وعراقيل، بعدها يحتاج إلى استراحة يستعيد فيها أنفاسه ونشاطه وطاقته النفسية التي استنزفت ويقيم المرحلة السابقة، فيقف على أوجه التقصير والأخطاء التي ارتكبها ومن ثم يستعد للنهوض مجددا لإكمال مهمته متسلحا بتلك الومضات التي استفادها مما سبق، فهذه الاستراحة لم تكن عبثية أو مدعاها طلب الدعة بل هي مطلب ضروري لتقييم ما تقدم من أعماله وإعادة ترتيب أوراقه بما يحقق له النجاح والتقدم.

والإنسان في هذه الحياة يحيا كالمحارب في ساحة الصراع مع أعدائه الذين يترصدون له في كل مكان ليوقعوه في الخسارة، ولدا نرى القرآن الكريم يؤكد على حقيقة العلاقة بين الإنسان والشيطان بأنها عداوة ظاهرة وينبغي أخذ الحيطة والحذر من حفر مكره وخداعه، فهناك ثلاثي يتحفز دائما لإيقاع المرء في طريق الخطايا والرذائل، وهم: «الشيطان، والأهواء والشهوات، والنفس الأمارة بالسوء»، فما لم يكن مقدرا لحجم المعركة واستمرارية الصراع والمواجهة لآخر نفس له في الدنيا، فإنه سيكون عرضة لرماحهم وسهامهم المتمثلة بتزيين فعل المعصية، وعلى حين غرة وانشغال من المرء يأتيه من أعدائه ما يسقطه أرضا ويعطل قواه الإيمانية، ولا يمكنه استعاده الشحن الروحي إلا من خلال الوقوف على المرحلة السابقة ومراجعة ما صدر منه من قول أو فعل أو تعامل مع الغير؛ ليتبين له ميزان أعماله ومدى ارتباطه بالله عز وجل وحضوره تعالى في كل خطوة يقدم عليها، فالعاقل يضع لنفسه خط رجعة ليقف على حجم الخسائر الناجمة من أفعاله السيئة، فالرضا عن النفس بحسب الأماني الخادعة مهلكة للإنسان ومؤدية به للضياع، وأما الرضا المترتب على النتائج التي يضعها بين يديه جراء محاسبة دقيقة وفاعلة يقف من خلالها على سيئاته والمواطن التي أدت به إلى الزلل فهو المراد، إذ يعمل في الأيام القادمة على تلافي موارد الخطأ وأوجه التقصير وتجنب الأسباب المؤدية، فتصحيح المسير في هذه الحياة يتطلب وعيا ويقظة وإرادة للتغيير نحو الأفضل والتخلي عن الرذائل.

المراجعة الذاتية مسلك الناجحين نحو بلوغ مراداتهم وتجاوز ما يقفون عنده من عراقيل وعثرات، فلا يمكنهم قبول تردي الحال والسير نحو القهقري وتسرب ما يكتسبونه من نقاط إيجابية بسبب حالات الغفلة، ولذا يحرص المرء الواعي على مراجعة سلوكياته وعلاقته بالله عز وجل ليضع إصبعه على مواضع الخطأ فيصححها، وما لم يفعل ذلك فإنه سيحيا حالة من السبات فلا يفيق، وهذا التصحيح والتغيير بالمفهوم الأخلاقي يسمى التوبة والرجوع إلى الله تعالى، وذلك بالإقلاع عما كان عاكفا عليه من خطايا ونقائص بعد الوقوف عليها، وبلا شك فإن التوبة لا تعني حالة الندم الآني وهيجان المشاعر تجاه المعصية دون اتخاذ أي خطوات عملية تصحيحية، فإنها حالة مؤقتة لا تلبث أن تزول ويعاود ما كان يقترفه، بل هناك آليات وخطوات يتخذها تبدأ من حالة الندم الحقيقي والبكاء على النفس لو واجهت ربها يوم الحساب وهي مقيمة على ذلك الفعل السيء وما تواجهه آنذاك من عقوبة إلهية، فما من مذكر ورادع عن المعصية كالعرض على النفس ونثر الأعمال بين يديها، فيتفحص كل عمل أقدم عليه وكتبته ملائكة الرحمن عليه وأثبتته في صحيفة عمله، فينتهز فرصة محوه وإلغاء آثاره من خلال التوبة النصوح الصادقة، ويعقد العزم الأكيد على تجنب العوامل المؤدية إلى سقوطه في مستنقع المعصية، فالقادم من الأيام ميدان اختبار لإرادته ومدى جديته في الإقلاع عن سيئاته، والتوبة لا تتركز على مواطن الزلل بل هناك أوجه تقصير يتنبه عليها من خلال النظر إلى الحسنات التي كان يفعلها فتخلى عنها في زحمة الانشغال، فيعيد شحذ قواه ليثبت ذلك الفعل الحسن في صحيفة عمله مجددا.