آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

شباك الأدوية رقم 3

أثير السادة *

صالة باردة، وشبابيك كثيرة، معظمها مغلق، في الزاوية من المكان يمرجح طفل صغير رجليه على كرسي الانتظار، الأب الذي يخفي تعبه خلف نظارته السوداء يسند رأسه للجدار، الهدوء الثقيل يقطعه بين الحين والآخر جرس الأرقام.. شمس الظهيرة تنتصف السماء، ورقمي في الانتظار هو 133، وهذا يعني بأن ثمة أكياس بعدد هذا الرقم عبرت من هذه الصالة، أكياس تختصر الطريق إلى العافية، بمثل ما تختصر الطريق إلى صور المرض والتعب والقلق.

مازال المؤشر واقفا عند الرقم 129، والشبابيك لا تعرف إلا شباكين مفتوحين، مر من الوقت 5 دقائق، أمام الشباك رقم 3 يجلس رجل منتظرا صرف أدويته، يقترب من الشباك الذي جرى تغطيته بالزجاج كاملا عدا فتحة صغيرة، تسمح بمرور الصوت، يقرأ على الصيدلاني أرقاما وأسماءً، يسند ظهره ثم يعود ليستلم حصته من الأدوية. في حضه ثلاثة أكياس صغيرة، هذه لحسن، يقول الصيدلاني، يضعها في الكيس الأول، وهذه لسعاد، وهذه لمحمد، يحاول الرجل الذي احتضن الأكياس كما يحتضن عائلته أن لا يخطئ في التوزيع، يستلم الدواء بعد الآخر، يوزعها بحسب الأسماء، صورة الأكياس توحي بسلة من أمراض تتوازعها العائلة، هو الآن يقف في بياض ثوبه ليمسك بكيس أكبر، يستريح بعدها وينتظر.

يأخذني بعيدا عنه صوت أحذية العابرين من المكان، مصطفون جدد في طابور الانتظار، لهم في شباك الأدوية أمل مغلف بشريط الوصفة الصبية، أعمار تذكرنا بأن المرض لا يعرف عمرا واحدا، ولا جنسا واحدا، الواصلون الجدد ينظرون بتململ لشاشة الأرقام، بعدها يعودون للتسمر في شاشات جوالاتهم، مؤكد بأنهم قضوا وقتا طويلا في انتظار الطبيب قبل الوصول إلى هنا، ومؤكد بأن برودة المكان كافية لتحريضهم على عدم الامتعاض، فثمة شمس تتوعدهم باللهيب في الخارج.

أنشغل كغيري بالهاتف الجوال، أنظر لرسالة للتو وصلت على الواتس أب: أجريت يوم الأربعاء عملية بتر للإصبع الصغير في القدم اليسرى... ولأنكم في حياتي أنا قوي ولا تنساني من الدعاء.. أفتح عيني على اتساعها، أتنهد، وأكتب له حامدا وداعيا له بدوام العافية.. أنظر فيما كتبت، واتساءل: هل هذا ما يبحث عنه صديق في هذه اللحظة.. الجرس يرن الآن، والشاشة تشير إلى الرقم 133، أقرأ على الصيدلاني الرقم الوظيفي، وأسرح بعيدا، أتأمل في صور الباحثين عن العافية، وعن سيرة الناس التي لا نرى منها إلا سطورا مشفرة، وفي هذه السطور الكثير من الوجع المشفر.