آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

قبس نوراني من سيرة الإمام الجواد (ع)

لقد حازت شخصية الإمام محمد الجواد مكانتها العالية بين جميع من جالسه وسمع حديثه واطلع على ما يملكه من معارف وقيم تذكر بمسيرة آبائه الطاهرين، وما أثير من فكرة استصغار الإمام وقد استلم مهام الإمامة في مرحلة الطفولة وعدم أهليته لهذه المسئولية الجسيمة لم يكتب له النجاح، والمراد من هذا الطرح هو زعزعة المكانة للإمام وطرح مسألة الثقة بشخصيته ومدى اطلاعه على العلوم فضلا عن تسنمه مقاما رفيعا كالإمامة، ولكن سيرة الإمام والأجوبة التي أدلى بها على محتلف المسائل الفقهية والعقائدية والقرآنية أظهرت أن له علما خاصا لا يمكن تحصيله بالتعلم واكتساب المعارف، بل هو علم لدني يحظى بالتأييد والتسديد الإلهي كما كان عليه علم جده المصطفى ﷺ، وكل المحاولات لطرح مسألة يحار الإمام في جوابها فيتفرق محبوه والمعتقدون بإمامته من حوله قد باءت بالفشل وما كتب لها إلا التبدد والتلاشي، بل وتعززت مكانة الإمام وتشكلت فكرة وعقيدة حول الإمام وما يحمله من علم لا يقف عن حد معين، فهو مرجعية علمية وقيمية لا تضاهى ولا يمكن الاستغناء عنه ، وأما فكرة أنه عالم كبقية العلماء في معارفهم الكثيرة وورود الجهل بمسألة من هنا أو هناك عليهم قد تبخرت، وظهر بشكل عملي أنه من صنف آخر تؤهله - مع صغر سنه - للإمامة والتبليغ الرسالي ورعاية الأمة في تكوين مخزونها المعرفي والفكري، كما أظهرت سيرته العملية والسلوكية أنه تجسيد للأخلاق الرفيعة كآبائه الطاهرين، وخير من يقتدي به المؤمنون ويأخذون منه معالم دينهم وأحكامهم الشرعية.

ولم يكن الإمام الجواد بمنأى عن أمة جده ﷺ وما عاش عزلة ينفصل فيها البعض ممن يفهم الدين والتدين بنحو خاطيء «الرهبان والنساك»، بل كان فكره وشعوره وعطاؤه في حالة التصاق وتفاعل مع مختلف حاجات الناس والعمل على قضائها، فعلى المستوى العقائدي والفكري طرحت الكثير من الإشكالات والشبهات التي تحير عقول ضعاف الناس وتخلق بلبلة بين أوساط الناس، فتصدى الإمام على نقضها وحلها وطرح الأجوبة المقنعة عليها، مما قوى الحالة الإيمانية والبصيرة عند المؤمنين، وهذا الدور التبليغي بدد ظلمات الجهل والانحراف وأخذ بأيدي الناس نحو طريق الحق والفضيلة، وهذه كلماته النيرة وكنوز الحكمة الصادرة عنه خير شاهد على ما يمتلكه الإمام من علم غزير، كما أنها تشكل ومضات وحي وأنوار تسلط الضوء على الواقع وما يحمله من تحديات ومشاكل وكيفية التعاطي معها، وحري بنا أن نعطي أنفسنا دفعة تنوير من خلال الاطلاع على تراث الإمام الجواد وما يحمله من معارف ومضامين وقيم تشكل جوانب القوة والرفعة في الشخصية الإنسانية، بما يتناسب وتطلعات كل فرد يسعى نحو الرقي والتكامل وتجنب حفر الشبهات والسلوكيات غير المقبولة والعيوب والرذائل الأخلاقية.

وعطاء الإمام الإمام الجواد كان مزهرا على مستوى كل الأصعدة الحياتية، فقد كانت سيرته مصدر إلهام واقتداء بما حمله من قيم أخلاقية بشكل عملي، فقد عايش الناس نجما مضيئا في سماء الفضيلة، ولا يخفى أهمية وتأثير الشخصية الرسالية بما تحمله من هالة أخلاقية نورانية على تشكيل وصنع الشخصيات الإيمانية، فما أثر عنه تقصير ولا خطأ أو تعامل قاس مع أحد، بل كان كجده المصطفى ﷺ في حلمه وصدقه ونقاء سريرته.

ولقد كانت عيشة الإمام الجواد بسيطة وبعيدة عن كل مظاهر التزين والتفاخر بزخارف الدنيا، فزهد الإمام تأكيد على صدقية شخصيته وتوافق كلامه وفعله، وارتبط هذا الزهد بانفتاح واسع على العطاء والإنفاق المادي على المحتاجين، وقد عرف بلقب الجواد لكثرة عطائه فقد كان يسأل عن أحوال الآخرين ويقدم لهم المساعدة دون أن يلجأوا إليه، وهذا يعد قمة الكرم بسبق سؤال الفقير، وهذا لا يعني - بالطبع - أنه كان أكثر إنفاقا من بقية الأئمة بل كلهم جواد وكاظم وصادق ، وإنما الظروف المحيطة بالناس في عهده كانت صعبة والفقر متفش بين الناس، فكان يبذل جهدا كبيرا لبلسمة آلام الناس والتخفيف عنهم.