آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

الذنوب تجلب الخراب ‬

عن الإمام الرضا : «كُلَّمَا أَحْدَثَ الْعِبَادُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَ، أَحْدَثَ اللَّه لَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ» [1] 

الظواهر الكونية قد أميط اللثام عن عللها المادية مع تقدم العلوم وتوسعها، فظاهرة الزلازل والفيضانات والإعصارات «التسونامي» والاحتباس الحراري وغيرها لم تعد سرا خافيا، وذلك من خلال تتبع العوامل المؤثرة في إحداث تلك الظاهرة ونسبة ذلك التأثير، ولذا نجد تلك النصائح التي تقدم للناس من أجل المساهمة في حفظ كوكبنا الجميل من الدمار، كما في حالة الاحتباس الحراري وتزايد معدلات درجة الحرارة لمستويات قياسية بسبب انبعاث الغازات الدفيئة، بل وقدمت التقنيات المختلفة القدرة على التنبؤ بحالات الطقس والتحذير من وقوع الإعصارات المائية والترابية.

والإمام يشير إلى علة أخرى غير المادية وهي العلة المعنوية المتعلقة بمخالفة الأوامر الإلهية وتأثيراتها على مستقبل البشرية، فالظواهر الكونية في بعض حالاتها قد تكون نقمة إلهية جراء تمادي الناس في الفساد وانتشار الانحلال الأخلاقي، وهذه النصوص القرآنية تؤكد على هذه الحقيقة - تأثير الذنوب على حلول المصائب والابتلاءات المتنوعة، كما في قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[2] .

فالنظام الكوني لا يختل بسبب العلل المادية لوحدها بل حالات التمرد واللهث خلف الشهوات والتمظهر بالفساد بما يغضب الله تعالى، يتحول إلى نقمة إلهية تتمثل في تفشي الأمراض والفقر والأزمات الاقتصادية وفقدان الأمن والحرمان من بركات السماء.

العوامل المؤدية لذلك متعددة ولكن الإمام الرضا يؤكد على تأثير انتشار الفساد والتجاهر به دون خوف من الله تعالى، فإن الله تعالى حليم بعباده لا يعاجلهم بعقوبة أبدا، بل يفسح لهم من الوقت ما يكفيهم لإعادة حساباتهم واكتشاف الوضع السيء الذي وصلوا إليه من الابتعاد عن طاعة الله تعالى، فحالة الطغيان إذا سيطرت على فكر وسلوك الإنسان يستشعر معها بأنه قوة مهيمنة في هذه البسيطة وهو في منعة وحصانة من وصول الأذى إليه، فقد التمس السلامة من العوامل المادية للحماية في صحته وماله، فيحسب أن لا رقيب عليه وهو بمنأى عن العقوبة وحلول السخط الإلهي، وهذه نزواته تسيطر عليه فيصاب بغيبوبة فكرية يكون من نتاجها الإعراض عن ذكر الله تعالى والاتعاظ بآياته، فلا يعقل المرء ما يفعل كأنما هو السكران يتهادى بين جنبات الطرق الوعرة في الحياة، فهل هناك من أمل يعيد البشر إلى جادة العقل والفضيلة المغيبة ونشد الكرامة الإنسانية النبيلة ليستعيد الإنسان عافية الضمير اليقظ والبصيرة بعواقب الأمور؟!

من علامات الإنسان العاقل استعراض النتائج المرتقبة على ما يقدم عليه من خطوات وما يواجهه حينئذ من ترتبات واستحقاقات، وأما الخطوات البلهاء والمضي دون أن يدري ما سيواجهه من مخاطر وخسائر فهي تنذر بمصير مؤلم ونهاية غير سارة لا ينفع معها الندم وقتئذ، ولنتفكر رويا في الحكمة وراء خلق الإنسان وما حوله في الكون بذلك النظام الدقيق، فهل يمكن حينها ادعاء العبثية - تعالى الله عما يصفون - من الخلق أم أن هناك مرحلة حساب على ما قدمه المرء في ميادين الحياة؟!

إغضاب صاحب القوة والاقتدار من البشر يعني مواجهة غير متكافئة تنتهي بالتنكيل بالطرف الضعيف وعقابه، فكيف بمن يتقدم الخطى في طريق المخالفة والإغضاب لجبار الجبابرة، بلا شك أننا لا نتصور في حالة الإعلان والمجاهرة بمعاداة الله تعالى وتحدي سطوته ماذا سيجري على العصاة، والإمام الرضا ينبيء عن إحدى العقوبات الدنيوية للفسق والظلم وهو حلول المصائب والكوارث لعل العباد عن غيهم يتراجعون، وإلى رشدهم واستقامتهم يرجعون، فالقرآن الكريم يستعرض لنا مجموعة من الصور للعقوبات الإلهية الدنيوية للأقوام السابقة كالطوفان والصاعقة السماوية والريح الشديدة وغيرها، وإذا ما سألنا عن السر الخفي للشدائد والأزمات المتعلقة بالأمراض وقلة الرزق وغيرها، فلنرجع إلى أنفسنا وننهاها عن غيها فما نبتلى به أكبر عامل مؤثر في تلك المصائب هو العصيان والتمادي فيه والتقدم نحو الفساد وتجاوز الحدود الشرعية والأخلاقية أكثر وأكثر، فمن أراد الأمان من النقمات الإلهية فليستر عورته عن الفجور والتمادي في ارتكاب الموبقات، وإلا فإن جنود ربنا لا يعلمهم إلا هو وسيضرب العصاة بما لم يرونه من قبل من نقمات لا تخطر على بالهم.

[1] «الكافي ج 2 ص 275».

[2] ﴿الروم الآية 41