لماذا لا تتذكر لحظة ولادتك ولا حين تعلمت كيف تمشي ولا أول مرة تفوهت بكلماتك الأولى؟ ماذا يعرف الباحثون عما يعرف بفقدان ذاكرة الطفولة
بقلم ڤانيسا لوبو، استاذ علم النفس المساعد بجامعة روتغرز - نيوجيرسي
8 يونيو 2022
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم : 166 لسنة 2022
Why can’t you remember being born، learning to walk or saying your first words? What scientists know about ‘infantile amnesia’
Vanessa LoBue
Assistant Professor of Psychology، Rutgers University - Newark
June 8,2022
عندما أدرِّس الطلاب عن الذاكرة في مادة تطور ونمو الطفل[1] في جامعة روتغرز، أفتتح الحصة الدراسية بالطلب من طلابي بتذكر ذكرياتهم الأولى في الحياة. تحدث بعض الطلاب عن أول يوم لهم في صف ما قبل الروضة وتحدث آخرون عن وقت تعرضوا فيه للأذى والضرر أو شعروا فيه بالتضايق. وذكر آخرون اليوم الذي ولد فيه شقيقهم الأصغر/ شقيقتهم الصغرى.
بالرغم من التباينات الشاسعة في التفاصيل، فإن هذه الذكريات كلها تشترك في شيئين: جميعها تتعلق بذاكرة السيرة الذاتية[2] ، أو ذكريات عن تجارب مهمة حصلت في وقت ما خلال حياة أحدهمنا، وعادةً تقع هذه الأحداث المهمة قبل السنة الثانية أو الثالثة من العمر. في الحقيقة، لا يستطيع معظم الناس تذكر الأحداث التي وقعت في السنوات القليلة الأولى من حياتهم - وهي ظاهرة أطلق عليها الباحثون اسم فقدان ذاكرة الطفولة[3] ,[4] . لكن لماذا لا نتذكر الأشياء التي حدثت لنا عندما كنا أطفالًا؟ هل تبدأ الذاكرة بالعمل فقط في سن معينة؟
إليك ما يعرفه الباحثون عن الأطفال والذاكرة.
يستطيع الأطفال تكوين ذكريات على الرغم من حقيقة أن الناس لا يستطيعون تذكر الكثير قبل السنة الثانية أو الثالثة من أعمارهم، تشير الأبحاث إلى أن الأطفال يستطيعون تكوين ذكريات[5] - ولكن ليست بالضبط نوع الذكريات التي يمكن أن يذكرها الشخص عن نفسه. خلال الأيام القليلة الأولى من حياة الطفل، بإمكانه أن يتذكر وجه أمه ويميزها عن وجه شخص غريب[6] . بعد بضعة أشهرمن حياة الطفل، يتمكن من أن يبرهن على أنه يتذكر الكثير من الوجوه المألوفة وذلك بالتبسم أكثر في الوجوه التي يراها / يألفها أكثر.
في الواقع، هناك كثير من أنواع الذاكرة المختلفة[7] إلى جانب تلك التي تعتبر ذاكرة السيرة ذاتية[2] . هناك ذاكرة دلالية[8] ، وهي تذكر معلومات، كأسماء أنواع التفاح المختلفة، أو بعض عواصم الدول. هناك أيضًا ذاكرة إجرائية[9] ، وهي تذكر كيفية القيام بأداء عمل ما، مثل فتح الباب الأمامي أو قيادة السيارة.
أثبتت الأبحاث التي أجراها مختبر باحثة علم النفس كارولين روڤي كوليير Carolyn Rovee-Collier في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أن الأطفال الرضع يستطيعون تكوين بعض هذه الأنواع الأخرى من الذكريات منذ سن مبكرة. بالطبع، لا يستطيع الأطفال الإخبار بالضبط بما يتذكرونه. لذلك ما هو مهم بالنسبة للبحث الذي أجراه مختبر روڤي كوليير هو ابتكار مهمة حساسة لأجسام الأطفال وقدراتهم سريعة التغير، وذلك لتقييم ذاكرتهم على مدى فترة طويلة.
في المهمة الأولى المصممة خصيصًا للرضع الذين تتراوح أعمارهم بين شهرين و6 أشهر، وضع الباحثون طفلًا رضيعًا في سرير أطفال تتدلى من أعلاه لعبة أطفال مسلية. قام الباحثون بقياس كم ركلة «فحص برجليه» قام بها الطفل ليحصل الباحثون على فكرة عن ميله الطبيعي لتحريك رجليه. بعد ذلك، قام الباحثون بربط خيط من ساق الطفل إلى نهاية اللعبة المسلية المتدلية من فوق سريره، بحيث عندما يركل الطفل تتحرك اللعبة المتدلية. كما قد يتخيل المرء، يتعلم الطفل بسرعة أنه في موضع اتخاذ القرار - ولذا فهو يحب أن يرى اللعبة المتدلية تتحرك ولذا يركل الخيط المربوط بساقه أكثر مما كان يركله من قبل، مما يدل على أنه تعلم أن الركل يجعل اللعبة المتدلية تتحرك.
الصورة: اللعبة المتدلية من أعلى السرير والمتحركة تسلي وتمتع الطفل
المهمة الثانية المصممة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و18 شهرًا مشابهة للمهمة الأولى المذكورة أعلاه. ولكن بدلاً من الاستلقاء في السرير - وهو ما لن تفعله هذه الفئة العمرية من الأطفال لفترة طويلة - جلس الرضيع في حضن والديه ويداه على ذراع تتحكم في تشغيل قطار يتحرك على سكة. في البداية، كان الذراع لا يعمل، قاس المجربون عدج مرات ضغط الطفل الطبيعي على الذراع. بعد ذلك، قاموا بتشغيل الذراع. وفي كل مرة يضغط الرضيع عليه، سيتحرك القطار على السكة. مرة أخرى تعلم الأطفال اللعبة بسرعة، وقاموا بالضغط على الذراع بوتيرة أكثر عندما تحرك القطار.
ما علاقة هذا بالذاكرة؟ الجزء الأكثر ذكاءًا من هذا البحث هو أنه بعد تدريب الأطفال على إحدى هذه المهام لبضعة أيام، اختبرت روڤي كوليير لاحقًا ما إذا استطاع الأطفال تطكرها أم لا. عندما عاد الأطفال إلى المختبر، أظهر لهم الباحثون اللعبة المتدلية أو القطار وقاسوا ما إذا كانوا لا يزالون يركلون ويضغطون على الذراع.
بهذه الطريقة، وجدت روڤي كوليير وزملاؤها أنه في عمر 6 أشهر، لو دُرب الرضع لمدة دقيقة واحدة، فبإمكانهم تذكر ذلك الحدث في اليوم التالي. وكلما كان الأطفال أكبر سناً، كلما طالت مدة تذكرهم. ووجدت أيضًا أنه بإمكان المرء أن يجعل الأطفال يتذكرون الأحداث لفترة أطول وذلك بتدريبهم لفترات أطول[10] ، وكذلك بإراءتهم أشياء تذكِّرهم - على سبيل المثال، إراءتهم اللعبة المتدلية وهي تتحرك قليلًا من تلقاء نفسها.
لماذا لا يتذكر الناس ذكريات السيرة الذاتية؟
إذا كان بإمكان الأطفال تكوين ذكريات في الأشهر القليلة الأولى من حياتهم، فلماذا لا يتذكر الناس أشياء من تلك المرحلة المبكرة من حياتهم؟ لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الناس يعانون من فقد ذاكرة مرحلة الطفولة[4] لأنهم لا يستطيعون تكوين ذكريات السيرة الذاتية، أو ما إذا كان ليس لديهم وسيلة لتذكرها. لا أحد يعرف على وجه اليقين ماذا يحدث، لكن لدى الباحثين بعض الافتراضات.
الصورة: لابد أن يحدث الكثير من التطور والنمو حتى يتذكر المرء تجربة مثيرة.
الافتراض الأول هو أن ذكريات السيرة الذاتية تتطلب من الشخص بعض الإحساس بالذات[12] ,[11] . على المرء أن يكون قادرًا على التفكير في سلوكه فيما يتعلق بالآخرين. اختبر الباحثون هذه القدرة في الماضي باستخدام مهمة التعرف على الذات في المرآة[13] والتي تسمى اختبار أحمر الشفاه، حيث توضع على أنف الطفل بقعة من أحمر الشفاه أو أحمر الخدود - أو ”الروج“ كما قالوا في السبعينيات من القرن الماضي عندما استحدثت المهمة، [المترجم: الطفل بعمر سنة واحدة يستطيع التعرف على نفسه ولذا يحاول إزالة هذه البقع الحمراء عن وجهه[1] ].
وضع الباحثون الرضيع أمام مرآة. الرضع الذين تقل أعمارهم عن 18 شهرًا يبتسمون لصورهم المنعكسة من المرآة، وليس هناك أي بينة على أنهم يتعرفون على أنفسهم أو علامة أحمر الشفاه على وجوههم. أما الأطفال في عمر بين 18 و24 شهرًا، يلمسون أنوفهم، حتى أنهم يبدون محرجين، مما يوحي بأنهم يربطون البقعة الحمراء في المرآة بوجههم - أي لديهم بعض الإحساس بالذات.
تفسير آخر محتمل لفقدان ذاكرة الطفولة[4] هو أنه نظرًا لأن الأطفال لا يستطيعون الكلام حتى وقت لاحق من السنة الثانية من أعمارهم14، لا يمكنهم تكوين سرديات عن حياتهم حتى يمكنهم تذكرها لاحقًا. أخيرًا، الحُصين، وهي منطقة الدماغ المسؤولة إلى حد كبير عن الذاكرة، لا يتطور بالكامل في فترة الرضاعة[15] .
سيستمر الباحثون في دراسة كيف يساهم كل من هذه العوامل في لماذا لا يستطيع المرء تذكر الكثير، إن وجد، عن حياته قبل السنة الثانية من عمره.