آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 3:50 م

تقاطع العلم والدين

عدنان أحمد الحاجي *

26 أغسطس 2020

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 187 لسنة 2022

On the Intersection of Science and Religion

August 26,2020

الصورة : صلاة جماعة في أحد مساجد ماليزيا

العلاقة بين العلم [1]  والدين [2] ، على مر القرون الماضية، تراوحت من المنازعات والأعمال العدائية إلى الانسجام والتعاون، بينما جادل العديد من المفكرين بأن المفهومين متعارضان بطبيعتهما [3]  ومنفصلان عن بعضهما تمامًا[4] .

لكن الكثير من الأبحاث والمناقشات الحديثة حول هذه القضايا جرت في اطار العالم الغربي، وفي المقام الأول من منظور مسيحي. لفهم كيف يتعلق العلم بالدين في جميع أنحاء العالم بشكل أفضل، مركز بيو Pew للأبحاث أجرى مقابلات شخصية مع مجاميع صغيرة من المسلمين والهندوس والبوذيين وسألهم عن وجهات نظرهم ومرئياتهم المستقبلية. أجريت هذه المقابلات المتعمقة مع كل من المشاركين بصورة، شخصية في ماليزيا وسنغافورة - حيث قامت هاتان الدولتان، اللتان تقعان في جنوب شرق آسيا، باستثمارات كبيرة في البحث العلمي والتطوير في السنوات الأخيرة وتعدان موطنًا لسكان متنوعين من الناحية الدينية.

المناقشات عززت الاستنتاج بأنه لا توجد وجهة نظر واحدة شاملة عن العلاقة بين العلم والدين، ولكنها حددت أيضًا بعض الأنماط والمحاور المشتركة داخل كل مجموعة من المجموعات الدينية الثلاث. على سبيل المثال، أعرب العديد من المسلمين عن رأي مفاده أن الإسلام والعلم متوافقان بشكل أساس، بينما في نفس الوقت، اعترفوا بأن هناك بعض المجالات التي يوجد فيها تعارض - مثل نظرية التطور المتعارضة مع المعتقدات الدينية بشأن أصل وتطور الحياة البشرية على الأرض. كان التطور أيضًا موضوع خلاف بين الدين والعلم في الغرب [5] .

الهندوس الذين أجريت معهم مقابلات اتخذوا مسارًا مختلفًا، حيث وصفوا العلم والدين بأنهما مجالان متداخلان. كما كان عليه الحال مع المسلمين الذين جرت مقابلتهم، أكد العديد من الهندوس أن ديانتهم تضم عناصر من العلم، وأن الهندوسية قد اكتشفت منذ فترة طويلة مفاهيم سلط العلم لاحقًا عليها الضوء - على سبيل المثال، ذكروا خصائص معدن النحاس المضادة للميكروبات أو الفوائد الصحية للكركم. وعلى النقيض من المسلمين، قال العديد من الهندوس إن نظرية التطور موجودة ضمن تعاليمهم الدينية.

وصف بوذيون جرت مقابلتهم بشكل عام الدين والعلم على أنهما مجالان منفصلان ولا توجد علاقة بينهما. تحدث العديد من البوذيين عن ديانتهم بانها تسدي تعاليم وارشادات بخصوص كيف يعيش الناس حياة أخلاقية «غير مادية»، بينما وصفوا العلم بأنه ظواهر قابلة للرصد. في كثير من الأحيان، لم يستطع البوذيون من ذكر أي مجال من مجالات البحث العلمي تمثل لهم أهمية من الناحية الدينية. كما لم ير البوذيون الذين تمت مقابلتهم نظرية التطور كموضوع خلاف مع ديانتهم. قال البعض إنهم لا يعتقدون أن دينهم له اهتمامات بأصول الحياة على الأرض.

ومع ذلك، أعرب بعض منتسبي الديانات الثلاث عن مخاوفهم الدينية عندما طُلب منهم الأخذ في الاعتبار أنواع معينة من أبحاث التكنولوجيا الحيوية، كإبحاث التعديل الجينية [اعادة كتابة المادة الوراثية، [6] ] لتغيير الخصائص الجينية للطفل والجهود المبذولة لاستنساخ الحيوانات. على سبيل المثال، قال المسلمون الذين جرت مقابلتهم إن الاستنساخ من شأنه أن يعبث بقدرة الخالق [تغيير خلق الله]، فالله هو هو الذي بيده الخلق. عندما ناقش الهندوس والبوذيون تحرير الجينات واستنساخ الأرواح، أعرب البعض منهم، وليس الكل، عن قلقهم من أن هذه التطورات العلمية قد تتداخل مع مبدأي الكارما [7]  أو تناسخ الأرواح [8] .

الصورة : أبحاث التكنلوجيا الحيوية

لكن الدين لم يكن دائمًا هو الموضوع الأول الذي يتبادر إلى الذهن عندما يفكر الناس في العلم. ورداً على أسئلة حول الاستثمار الحكومي في البحث العلمي، تحدث المشاركون بشكل عام عن دور الإنجازات العلمية في المكانة الوطنية والتنمية الاقتصادية؛ حينها تضاءلت أهمية الاختلافات الدينية إلى الحضيض.

هذه بعض النتائج الرئيسة من التحليل النوعي لـ 72 مقابلة شخصية مع بعض الأفراد من مسلمين وهندوس وبوذيين أجريت في ماليزيا وسنغافورة بين 17 يونيو و8 أغسطس 2019.

ضمت الدراسة 24 شخصًا في كل مجموعة دينية من الديانات الثلاث «الاسلامية والهندوسية والبوذية»، بعدد متساوٍ من المشاركين من كل دولة. قال جميع الذين أُجريت مقابلات معهم إن دينهم يمثل أهمية ”كبيرة جدًا“ أو ”إلى حد ما“ لحياتهم، لكنهم يختلفون من حيث العمر والجنس والمهنة والمستوى التعليمي.

غالبية الماليزيين مسلمون، وقد شهدت البلاد موجات هجرة طبيعية على مر السنين. ونتيجة لذلك، البوذيون الذين أُجريت مقابلة معهم في ماليزيا هم من أصل صيني، والهندوس من أصل هندي، وأصل المسلمين من الملايو. تشتهر سنغافورة بتنوعها الديني. وجد تحليل أجراه مركز بيو Pew للأبحاث عام 2014 أن الدولة المدينة [أي الدولة التي تتكون من مدينة واحدة [9] ] لديها أعلى مستوى من التنوع الديني في العالم [10] .

الشكل: نسبة المسلمين في عدد من الدول الذين قالوا أنه لا يوجد تعارض أو يوجز تعارض بين العلم والدين

الرؤى المستمدة من هذه المقابلات النوعية رؤىً محدودة بطبيعتها من حيث أنها تستند إلى مقابلات عرضية [11]  صغيرة لأفراد لا يمثلون جماعاتهم الدينية لا في بلدهم أو على مستوى العالم. ولكن المقابلات المتعمقة تزودنا بنظرة ثاقبة حول كيف يوصف الأشخاص الذين أُجريت معهم مقابلات معتقداتهم، بمحض كلماتهم، وعلاقة ديانتهم التي يرونها «أو لا يرونها» مع العلم. للحد من وضع أهمية كبيرة على التعليقات التي أبداها كل فرد من هؤلاء، رُمّزت جميع المقابلات في محاور، باستخدام طرق منهجية. حيثما أمكن في بقية هذا التقرير «الورقة العلمية»، عرضت هذه النتائج مع مقارنة مع الاستقصاءات المسحية الكمية التي أجريت مع عينات تمثيلية للراشدين من عامة الناس للمساعدة في الاجابة على أسئلة عن مدى انتشار الاعتقاد بوجهات نظر معينة بين منتسبي كل مجموعة دينية. توضح هذه الدراسة أيضًا مدى المقارنة بين المسلمين والهندوس والبوذيين وكذلك المسيحيين في جميع أنحاء العالم مع بعضهم بعض.

رسم المشاركون في الدراسة ثلاث صور مميزة للعلاقة بين العلم والدين

واحدة من أكثر الاستنتاجات المدهشة من المقابلات التي أجريت مع المسلمين والهندوس والبوذيين انبثقت من الطرق المختلفة التي وصف بها الناس في كل ديانة من هذه الديانات الثلاث وجهات نظرهم عن العلاقة بين العلم والدين. يميل المسلمون الذين أُجريت معهم مقابلات إلى الحديث عن تداخل بين الاسلام والعلم، وأثار بعضهم مساحة من التعارض بين العلم والدين. وصف الهندوس الذين تمت مقابلتهم، إلى حد كبير، العلم والدين على أنهما مجالان متداخلان، بل متوافقان. وعلى النقيض من ذلك، وصف من أُجريت معهم مقابلات من البوذيين العلم والدين كمفاهيم متوازية، لا وجود لنقاط تقاطع معينة بين الاثنين.

انبثق نمط مماثل عندما سئل من أجريت معهم مقابلات عن مواضيع محتملة محظورة على البحث العلمي لأسباب دينية. ذكر العديد من المسلمين الذين أجريت معهم مقابلات مجالات بحث تعتبر محل قلقهم، كالدراسات التي تستخدم مواد غير حلال «كالماريجوانا أو الكحول أو الخنازير» أو بعض تطبيقات تكنولوجيا الإخصاب المساعدة «على سبيل المثال، الإخصاب / التلقيح الصناعي باستخدام مادة وراثية من شخصين غير متزوجين[12] . وعلى النقيض من ذلك، لم يذكر الهندوس والبوذيون المشاركون في الدراسة بشكل متسق أي موضوعات بحثية شعروا أنها يجب أن تكون محظورة على الباحثين.

وجدت استطلاعات أُجريت مع مسلمين من دول حول العالم تباينًا في نسبة المسلمين الذين رأوا أنه ليس هناك أي تعارض بين العلم والدين، على الرغم من أن هذه النسبة أقل من النصف في معظم البلدان التي شملها الاستطلاع. سأل موقع مؤسسة ويلكوم غلوبال مونيتر Wellcome Global Monitor عام 2018 المشاركين عما لو اختلف ”العلم يومًا مع تعاليم الدين“. اتفق معظم المسلمين المستَطلعين من 51 دولة في أن العلم ”لم يختلف أبدًا“ مع التعاليم الدينية الإسلامية.

مصادر من داخل وخارج النص

[1] - ”العِلْمُ science أي «المعرفة» هو أسلوب منهجي يقوم ببناء وتنظيم المعرفة في شكل تفسيرات وتوقعات قابلة للاختبار حول الكون وما يحويه. يرتكز مفهوم العلم على مصطلح المنهجية العلمية الذي بدوره يدرس البيانات ويضع فرضيات لتفسيرها ويقوم باختبارها وكل هذه العملية للوصول إلى معرفة قائمة على التجربة والتأكد من صحتها.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/علم

[2] - ”الدين relegion هو نظام اجتماعي - ثقافي من السلوكيات والممارسات المعينة، والأخلاق، والنظرات العالمية، والنصوص، والأماكن المقدسة، أو النبوات، أو المنظمات، التي تربط الإنسانية بالعناصر الخارقة للطبيعة، أو المتعالية، أو الروحانية. ومع ذلك، لا يوجد إجماع علمي حول التعريف الدقيق للدين.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/دين_ «معتقد»

[3] - https://www.hfsbooks.com/books/the-warfare-between-science-and-religion-hardin-numbers-binzley/

[4] - http://www.blc.arizona.edu/courses/schaffer/449/Gould%20Nonoverlapping%20Magisteria.htm

[5] - https://www.pewresearch.org/religion/2019/02/06/darwin-in-america-2/

[6] - https://ar.wikipedia.org/wiki/تحرير_جيني

[7] - ”كارما Karma وتعني العمل أو الفعل. هي مفهوم أخلاقي في المعتقدات الهندوسية والبوذية واليانية والسيخية والطاوية. وتشير إلى مبدأ السببية حيث النوايا والأفعال الفردية تؤثر في مستقبل الشخص. حسن النية وعمل الخير يسهمان في إيجاد الكارما الجيدة والسعادة في المستقبل، بينما تسهم النية السيئة والفعل السيئ في إيجاد الكارما السيئة والمعاناة في المستقبل. ترتبط الكارما مع فكرة الولادة الجديدة في الديانات الهندية.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/كارما

[8] - ”تقمص الروح أو التناسخ أو إعادة الميلاد، هو المفهوم الفلسفي أو الديني القائل بأن الجوهر غير المادي للكائن الحي يبدأ حياة جديدة في شكل مادي أو جسم مختلف بعد الموت. والقيامة هي عملية مماثلة قالت بها بعض الأديان، حيث تعود الروح إلى الحياة في نفس الجسد. في معظم المعتقدات التي تنطوي على التناسخ، يُنظر إلى الروح على أنها خالدة والشيء الوحيد الذي يتلف هو الجسد. مصطلح التناسخ يعني انتقال الروح من جسد إلى آخر بعد الموت وذلك إتماماً لتطور الروح والوصول للكمال، أو لتصحيح أخطاء في حياة سابقة تحقيقًا لعدل الله في الأرض، أو لإتمام رسالة.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/تناسخ_الأرواح

[9] - https://ar.wikipedia.org/wiki/دولة_مدينة

[10] - https://www.pewresearch.org/religion/2014/04/04/global-religious-diversity/

[11] - https://en.wikipedia.org/wiki/Convenience_sampling

[12] - https://ar.wikipedia.org/wiki/تقنيات_التلقيح_بالمساعدة

المصدر الرئيس

https://www.pewresearch.org/religion/2020/08/26/on-the-intersection-of-science-and-religion/