آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

نسائم العشق الحسيني

التهيؤ النفسي والفكري لأي محطة قادمة في حياتنا يعد أمرا مهما لتحصيل النتائج المتوخاة والمناسبة والمقبولة، وهذا التخطيط والاستعداد يعد سمة من سمات الشخص الناجح والمكافح الحريص على وقته لئلا يضيع سدى، فهناك فئة من الناس يغيب عنها تنظيم الوقت والتخطيط لأهداف تكاملية يسعى لاكتسابها، فيحيا حياة خاوية وعبثية لا يهتم فيها لكثيرا من مجريات أمور حياته وما تؤول إليه، وحتى في لحظات مرور الفرص مرور الكرام وإخفاقه في نيل المأمول تراه غير مستعد لإعادة ترتيب أوراقه وجدولة خطاه من جديد ومحاسبة نفسيه تلافيا للوقوع في الأخطاء الماضية، فهل مناسبة عاشوراء تخضع لنظام التهيئة والاستعداد لها روحيا وفكريا؟

عاشوراء محطة حصاد وجناية المكتسبات وصلة عبادية تتطلب الإخلاص والتقوى، والجانب الولائي المتمثل بمواساة المصطفى ﷺ وعترته الطاهرة والتفاعل الوجداني مع المصيبة الفادحة، يتطلب حضورا ذهنيا وتفاعلا عاطفيا صادقا مع تفاصيل تلك الجريمة النكراء.

كما أن المنبر الحسيني يفعل وينشط الجانب العاطفي «العبرة» امتثالا للتوجيهات النبوية، فكذلك يقدم المنبر الواعي مجموعة من المعارف والمحاور الدينية والثقافية والاجتماعية بما يشكل انفتاحا على المعارف في مختلف الحقول العلمية المرتبطة بتوجيه وتربية النفس وتشجيعها على التحلي بالفضيلة، وتأملا في الآيات القرآنية والسنة المطهرة وما تحمله من معان سامية تحدث تغيرا إيجابيا، فنحن اليوم أمام جيل متعلم يجلس بين يدي المنبر الحسيني وشغوف بالاطلاع على المعارف الحقة، وهذا يستوجب تحضيرا جيدا من الخطيب ليكون الطرح في مستواهم ويقدم لهم زادا يفتح عقولهم على مفاتيح الحياة وفهم الواقع والمستقبل، ولذا فإن إحياء عاشوراء مصدر عزة واقتدار وتكامل وبناء تربوي يشع بأنواره التنموية على أفراد المجتمع، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال معرفة مقام هذه التحفة الإلهية والمكتسبات الممكن تحقيقها.

الإصلاح الحسيني للمجتمع وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية يبدأ من تربية الفرد وإصلاح نفسه من خلال التحرر والانعتاق من أغلال النفس الأمارة بالسوء والداعية للأنانية والغرور بملذات الدنيا، فتلك الثلة المؤمنة من أنصار الإمام الحسين بما تحمله من نفحة إيمانية وعقدات عزم قوية وروح صلبة كالحديد كان هو المؤهل لها لنيل هذه المرتبة العظيمة وأوسمة الشهادة، في ظروف حالكة لا نظير لها من قلة الأنصار وتخاذل الناس واصطفاف الرايات وتحشيدها ضد السبط الشهيد والقيم التي ينادي بها ويدعو لها.

فالتهيؤ والاستعداد لنسائم العشق الحسيني تعني حضورا للفكر الواعي المتخلص من الانشغال بحطام الدنيا الزائل، فينفتح بنضج وفهم للتحليل المنطقي والواقعي لفاجعة الطف وما تحمله من دلالات وتأثيرات، وما يحيط بها من دروس نستلهمها من عاشوراء ونعمل على ربطها بواقعنا وعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية ومستقبلنا وفهم ما يحيط بنا من أحداث ومنعطفات تاريخية.

الجانب الوجداني والتفاعل العاطفي مع فاجعة الطف وما جرى على السبط الشهيد وأهل بيته من مصائب وجرائم يندى لها جبين الإنسانية، ينبغي الاستعداد له من جميع الأطراف المتمثلة بالقصائد المؤثرة من الشعراء والأداء الحزين من الخطيب والإرهاف السمعي من قبل المستمعين؛ لتكتمل تلك الصورة المأساوية في مشهد رهيب يؤشر إلى روح الولاء والعاطفة الصادقة والتفاعل النشط مع واقعة الطف.

والتفاعل مع النهضة الحسينية لا يقتصر على الجانب الفكري والعاطفي، بل يتعداه إلى فهم تلك الأهداف التي دعا لها السبط الشهيد، كما أن عوامل التخاذل أو النصرة تلقى اهتماما واسعا في البحث عنها، وتطبيق الأهداف الحسينية على الفرد والمجتمع في كل زمان ومكان يعني فهما ووعيا بالأهداف الإصلاحية التي تحرك الإمام الحسين من أجل إرسائها.