فهم الكذب عند الأطفال - متى وكيف ولماذا يكذبون؟
بقلم غادة سلهب، طالبة دكتوراه، علم النفس الجنائي، جامعة بورتسموث
14 ديسمبر 2022
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رفم 355 لسنة 2022
Understanding dishonesty in children - when, how and why do kids lie?
Gadda Salhab، PhD Candidate, Forensic Psychology, University of Portsmouth
December 14,2022
حين سُئلوا عما إذا اختلسوا نظرة إلى إحدى الدمى، اعترف 40٪ من الأطفال كذبًا بأنهم نعم قد اختلسوا نظرة، مع أنهم لم يفعلوا ذلك، حسب دراسة حديثة عن الكذب لدى الأطفال الدارجين «الفئة العمرية من سنة إلى سنتين» [1] . عندما يختلق الكثير من الأطفال أكاذيب بلا فائدة تعود عليهم، فالأمر لا يقتصر فقط على الكذب الأبيض.
اختبر باحثون، من بولندا وكندا، ضبط النفس لدى 252 طفلًا بعمر 18 شهرًا بأمرهم بعدم اختلاس نظرة إلى دمية. وبعد بلوغهم السنتين من العمر أُختبر نفس الأطفال مرة أخرى، ثم مرة ثالثة بعد مضي ستة أشهر على الاختبار الثاني. فقط 35٪ من المشاركين الصغار لم يطيعوا الأمر بعدم اختلاس نظرة إلى الدمية، لكن 27٪ من مختلسي النظر زعموا كذبًا أنهم فعلوا ما قيل لهم.
يُربى الأطفال من بواكير أعمارهم على أن الكذب هو قصور أخلاقي [المترجم: القصور الأخلاقي moral failure في أبسط معانيه هو تصرف يفعله الشخص وهو يعلم أنه لا ينبغي أن يفعله، أو بالعكس، أن لا يقوم الشخص بفعل ما يعلم أنه ينبغي عليه فعله [2] ]. بيد أنه في بعض السياقات الاجتماعية، قد يُشجع الأطفال أيضًا على الكذب. لكن الكثير من أولياء الأمور يطلبون من أطفالهم صراحةً بتحري الصدق وعدم تشويه الحقيقة[3] ، مؤكدين على أهمية الصدق. إلَّا أن رسائلهم إلى أطفالهم عن تحري الصدق غير جلية. على سبيل المثال، قد يدَّعون أن الكذب الأبيض مقبول أحيانًا وذلك مراعاةً لمشاعر الآخرين.
هناك عدة أسباب تجعل الأطفال المشتركين في هذه الدراسة يدلون باعترافات كاذبة. حيث هم في النهاية لا يزالون صغارًا لدرجة أنهم ربما يواجهون صعوبة في فهم السؤال المطروح عليهم. نعلم أن الأطفال أكثر سرعة وسهولةً من الكبار للإجابة ب ”نعم“ عند طرح أسئلة عليهم طبيعة اجوبتها مقصورة على نعم أو لا[4] .
الدراسات تثبت أن الأطفال بحاجة إلى استكشاف واختبار حدود أي مفهوم جديد قبل أن يستوعبوه[5] . اللعب والتعلم متداخلان، خاصة عند الأطفال.
يمارس الاطفال الكذب الأبيض في سنوات ما قبل المدرسة[6] . يجيد الأطفال هذا النوع من الكذب ابتداءً من عمر السنتين. الكذب يتماشى مع تطور المهارات الاجتماعية[7] [8] [9] عند الأطفال. على الرغم من أن الكذب يعتبر سلوكًا اشكاليًا، إلا أنه يوحي أيضًا بتطور ونمو دماغ سليم عند الأطفال وهو مرحلة من مراحل التطور المعرفي / الادراكي لديهم[10] .
أكاذيب الأطفال الأولى لا تعدو كونها جملة مكونة من بضع كلمات. ومع تطور مهاراتهم المعرفية[11] ، تصبح أكاذيبهم أكثر تعقيدًا[12] ، وتتضمن الأكاذيب كلمات أكثر ويمكن الاحتفاظ بها لفترة أطول.
حتى يكذب الأطفال، يحتاجون إلى ثلاثة أمور. أولاً، يحتاجون إلى ضبط النفس بشكل كافٍ للتغلب على نزعتهم لقول الحقيقة. في علم النفس، نسمي هذا ب التحكم التثبيطي[13] [14] . ثانيًا، يحتاجون إلى الاستفادة من محتوى الذاكرة قصيرة الأمد [وهي القدرة على الاحتفاظ بقدر بسيط من المعلومات في الذهن، في حالة نشطة وسهلة المنال لفترة زمنية قصيرة. [15] ]، وكذلك تحضير سيناريوهات بديلة بشكل تزامني. وثالثًا، يحتاج الأطفال إلى أن يكونوا قادرين على التحول من التصرف وفقًا للحقيقة «للصدق والأمانة» إلى التصرف وفقًا للكذب الذي يألفونه «ما يُعرف ب المرونة المعرفية[16] » وبالعكس.
من المرجح أن يكذب الأطفال كذبًا أبيضًا عندما تصبح لديهم قدرة عالية على فهم المشاعر «17,18»: وهي المهارات التي تساعدهم على فهم طبيعة وأسباب وعواقب المشاعر المتعلقة بأنفسهم وبالآخرين.
تلعب الأساليب التربوية دورًا في ممارسة الأطفال الكذب الأبيض. تربية الأطفال الذين يكذبون للحفاظ على مشاعر الآخرين من المرجح أن تكون على يدي والدين يمارسان اسلوب التربية الحازمة[19] [20] ، حيث يقومان برعاية ودعم أطفالهما ويستجيبان لاحتياجاتهم. في المقابل، الأطفال الذين تمارس معهم اساليب تربوية عقابية هم أكثر احتمالًا للكذب والتمسك به، ربما يستخدمونه لحماية أنفسهم ضد العقوبة القاسية التي يتوقعونها.
سلوك أولياء الأمور[21] مع أطفالهم يؤثر إما سلبًا أو ايجابًا فيما يخص ترسيخ ملكة الكذب أو الصدق في أطفالهم. الأطفال الذين ينتظرون شخصًا إما يحصلون منه على مكافأة على صدقهم[22] أو معاقبة على كذبهم سيصبحون على الأرجح صادقين في أقوالهم، [التعلم بالملاحظة / بالقدوة[23] ]. وبالمثل، الأطفال الذين يشاهدون أقرانهم يُكافئَون على اعترافهم بارتكاب خطأ فسيصبحون على الأرجح صادقين في أقوالهم. لذلك يجب أن يدرك أولياء الأمور أن الأطفال ينتبهون إلى الأفعال كما ينتبهون إلى الكلمات.
تشجيع الأطفال على تحري الصدق وذلك بعدم ممارسة الكذب أمامهم ومكافأتهم على ممارسة الصدق، حتى عندما يتصرفون بطريقة غير مرغوب فيها، بإمكانه أن يشجعهم على أن يكونوا صادقين في المستقبل. كأولياء أمور، الكثير منا يجد صعوبة للاعتراف بأن المنطقة الرمادية بين الصدق والكذب هي بمثابة زيت العلاقات الاجتماعية تساعد على العيش حياة اجتماعية قليلة المشاكل.