آخر تحديث: 6 / 5 / 2024م - 6:31 ص

التحيزات المعرفية وبيولوجيا الدماغ يفسران اصرار الناس على التمسك بآرائهم ومواقفهم ومعتقداتهم

عدنان أحمد الحاجي *

بقلم كيث إم بيليزي، برفسور التنمية البشرية وعلوم الأسرة، جامعة كونيتيكت

11 أغسطس 2022

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 233 لسنة 2022

Cognitive biases and brain biology help explain why facts don’t change minds

Keith M. Bellizzi


 

قاعدة بيانات شبكة سي إن إن CNN الاخبارية الموسومة ب ”Facts First[1] “ هي شعار حملة ترويجية تقوم بها شبكة CNN والتي تؤكد أنه ”بمجرد أن تكون المعلومات ثابتة، يمكن بعدها تكوين الآراء والمواقف حولها“. المشكلة تكمن في أنه على الرغم من أن ذلك يبدو أمرًا منطقيًا، فإن هذا الإدعاء الجذاب لا يعدو عن كونه مغالطة لا تدعمه الدراسات.

لقد وجدت دراسات علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب أن العكس هو الصحيح غالبًا حين يتعلق الأمر بالسياسة [3] : فالناس يبدون آراءهم ومواقفهم بناءً على عواطفهم، كالخوف والازدراء والغضب، وليس بناءًا على المعطيات. فالمعطيات الجديدة في كثير من الأحيان لا تغير آراء الناس.

أنا أعمل على دراسات تتعلق بالتنمية البشرية والصحة العامة وتغيير السلوك [4] . في أبحاثي، ألاحظ بشكل مباشر مدى صعوبة تغيير رأي وموقف شخص وسلوكياته حين يصطدم على حين غره بمعطيات جديدة تتعارض مع معتقداته.

تبدأ نظرتك للعالم، بما فيها معتقداتك وآراؤك ومواقفك، في التشكل أثناء مرحلة طفولتك حيين تُدمج في المجتمع ويكون سلوكك مقبولًا اجتماعيًا في اطار ثقافي معين. هذه النظرة تعززها بمرور الزمن المجموعات الاجتماعية التي تحتفظ بعلاقات معها، ووسائل الاعلام التي تقرأها أو تستمع اليها،، بل حتى بكيف يقوم دماغك بوظائفه. فوجهة النظر هذه تؤثر في مدى اعتبارك لنفسك ومدى تفاعلك مع ما حولك.

بالنسبة للعديد من الناس، فإن الصعوبة التي تعترض نظرتهم للعالم تبدو وكأنها اعتداء على هويتهم الشخصية، وقد تؤدي بهم إلى التشدد في مواقفهم. هنا بعض نتائج الأبحاث التي تفسر لماذا تُعتبر مقاومتك لتغيير آرائك ومواقفك أمرًا طبيعيًا - وكيف يمكنك العمل على تحسين فرصك في العمل على هذه التغييرات.

رفضك لما يتعارض مع معتقداتك

في العالم المثالي، من شأن العقلانيين الذين يصطدمون بأدلة جديدة تتعارض مع معتقداتهم أن يقيموا المعطيات وبناءً على ذلك يغيرون وجهات نظرهم. ولكن لا تسير الأمور بهذه الكيفية بشكل عام على أرض الواقع.

اللوم يقع جزئيًا على التحيز المعرفي [5]  الذي يبرز مفعوله في العادة عندما يصطدم الناس بأدلة تتعارض مع معتقداتهم. وبدلاً من إعادة تقييم ما كانوا يؤمنون به حتى ذلك الحين، يميل الناس إلى رفض الأدلة التي تتعارض مع معتقداتهم [6] . يسمي علماء النفس هذه الظاهرة بالاصرار على التعلق بالمعتقد [7] . يمكن لأي شخص أن يقع فريسة لهذا الأصرار المتأصل في التفكير.

تقديم المعطيات للناس - سواء عبر الأخبار أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الحوارات التي تجري وجهًا لوجه - التي تشير بأن معتقداتهم الحالية خاطئة تجعلهم يشعرون بالتهديد. ردة الفعل هذه تصبح قوية بشكل خاص عندما تكون هذه المعتقدات متسقة مع هويتهم السياسية والشخصية. فقد يبدو الطُعن في أحد معتقداتهم الراسخة وكأنه هجوم موجه إليهم بشكل شخصي.

قد تؤدي مواجهة المعطيات التي لا تتماشى مع نظرة المرء إلى تأثير ”النتيجة العكسية backfire effect[7,8]،“ والتي قد تؤدي في النهاية إلى تقوية موقفه ومعتقداته الأصلية، لا سيما في القضايا المشحونة سياسيًا. تعرف الباحثون على هذه الظاهرة من عدد من الدراسات، بما فيها الدراسات المتعلقة بالآراء تجاه سياسات التخفيف من تغير المناخ [9]  والمواقف المعارضة للقاحات الأطفال [10] .

التركيز على ما يؤكد معتقداتك

هناك تحيز معرفي آخر يمكن أن يجعلك لا تغير رأيك أو موقفك، يسمى الانحياز التأكيدي [11] . وهو الميل الطبيعي للبحث عن المعلومات أو تفسير الأشياء بطريقة تدعم معتقداتك الراهنة [12] . التفاعل مع من يشاطرك نفس التفكير من الناس ومن وسائل الإعلام يعزز الانحياز التأكيدي. تكمن مشكلة الانحياز التأكيدي في أنه يمكن أن يؤدي إلى أخطاء في القدرة على اتخاذ قرارات معتبرة أو التوصل إلى استنتاجات معقولة [13]  مما لا يجعلك تنظر إلى الموقف أو الحالة من زوايا متعددة وبشكل موضوعي.

استطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام 2016 يعرض مثالًا رائعًا على هذا التحيز. في فترة أسبوعين من انتخابات عام 2016، غيّر كل من الجمهوريين والديمقراطيين بشكل جذري آراءهم ومواقفهم بشأن حالة الاقتصاد - في اتجاهين متعاكسين. بالرغم من أنه لم يكن هناك أي شيء جديد في الاقتصاد. ما تغير هو فقط انتخاب زعيم سياسي جديد من حزب مختلف. غيرت نتيجة الانتخابات تفسير المشاركبن في الاستطلاع بشأن مدى أداء الاقتصاد - الانحياز التأكيدي دفع الجمهوريين إلى تقييمه بدرجة أعلى بكثير بعد أن أصبح مرشحهم هو الفائز في الانتخابات؛ أما الديمقراطيون فكانت آراؤهم عكس ذلك.

طبيعة الدماغ لا تساعد

التحيزات المعرفية هي أنماط يمكن التنبؤ بها في الاسلوب الذي يعتقد به الناس والذي يمكن أن يمنعهم من تقييم الأدلة بموضوعية وبمقاضاه يغيرون آراءهم. بعض هذه الأساليب الأساسية التي يعمل بها دماغ المرء تعمل ضده أيضًا في هذه الجهة.


 

دماغك مجبول على حمايتك - مما قد يؤدي إلى تعزيز آرائك ومعتقداتك، حتى عندما تكون هذه الآراء والمعتقدات خاطئة. الظفر بنقاش أو جدال قد يؤدي إلى سيل من افرازات هرمونات، بما فيها الدوبامين والأدرينالين. في دماغك، تساهم في الشعور بنفس المتعة التي تحصل عليها من ممارسة الجنس وأكل الطعام وركوب قطار الموت في مدينة الملاهي - ونعم، حتى بعد الفوز بجدال ما [14] . افراز هذه الهرمونات يجعلك تشعر بحالة جيدة، وربما تجعلك محصنًا. إنه شعور يرغب فيه الكثير من الناس كثيرًا.

علاوة على ذلك، في حالات الشعور بالضغط النفسي الشديد أو عدم الثقة، يفرز الجسم هرمونًا آخر هو الكورتيزول. والذي يتمكن من اختطاف عمليات التفكير المتقدمة والاستدلال المنطقي - ما يسميه علماء النفس بالوظائف التنفيذية للدماغ [15] . اللوزة الدماغية تصبح أكثر نشاطًا، وتتحكم في استجابات الكر أو الفر الفطرية / الطبيعية عندما يشعر الشخص بالتهديد.

في سياق التواصل، يميل الناس إلى رفع أصواتهم وعدم الموافقة والتوقف عن الاستماع عندما تتدفق هذه المواد الكيميائية «الهرمونات» في أجسامهم. بمجرد أن يكون المرء في هذه الذهنية، من الصعب أن يسمع وجهة نظر أخرى. الرغبة في أن يكون الشخص على حق مقترنة بآليات حماية الدماغ تجعل تغيير آرائه ومعتقداته أمرًا صعبًا جدًا، حتى في وجود معطيات جديدة.

بإمكانك أن تدرب نفسك على أن تكون ذهنيتك منفتحة على آراء الآخرين

على الرغم من التحيزات المعرفية وبيولوجيا الدماغ التي تجعل تغيير الآراء والمواقف مهمة صعبة، هناك طرق للقفز على هذه العادات الطبيعية.

اعمل على أن تكون منفتحًا ذهنيًا على آراء الآخرين. اسمح لنفسك بتعلم أشياء جديدة. ابحث عن وجهات نظر من عدد من أطراف القضية. حاول صياغة وتعديل آرائك بناءً على أدلة دقيقة وموضوعية ومثبتة. لا تدع نفسك تتأثر بالاراء المتطرفة. على سبيل المثال، اعطِ وزناً أكبر لكثير من الأطباء ومسؤولي الصحة العامة الذين يتحملون عبء تقديم الأدلة المقنعة [16]  على أن اللقاحات آمنة وفعالة أكثر مما تعطيه من وزن لطبيب هامشي واحد استمعت إليه في بودكاست يدعي عكس ذلك.

كن حذرًا من التكرار، حيث غالبًا ما يُنظر إلى العبارات المكررة على أنها أكثر صدقًا من المعلومات الجديدة [15 - 17]، بغض النظر عن مدى خطأ الادعاء. المتلاعبون في وسائل التواصل الاجتماعي والسياسيون يعرفون ذلك جيدًا.

عرض الأشياء بطريقة غير تصادمية يسمح للناس بتقييم المعلومات الجديدة دون الشعور بأنهم عرضة للهجوم. إهانة الآخرين والاشارة على أن أحدهم جاهل أو مضلل، مهما كانت معتقداتهم مضللة، سيجعل الناس الذين تحاول التأثير فيهم يرفضون حججك. ولكن، حاول طرح أسئلة تدفع ذلك الشخص إلى الشك فيما يعتقده. بالرغم من أن الآراء قد لا تتغير في نهاية المطاف، إلّا أن فرص النجاح ستكون أكبر.

عليك أن تدرك أننا جميعًا لدينا هذه الميول وعليك أن تستمع باحترام إلى وجهات نظر الآخرين. خذ نفسًا عميقًا وتوقف قليلًا عندما تشعر بأنك على وشك التوتر والدخول في خصومة مع الآخر. تذكر أنه لا بأس أن تكون مخطئًا في بعض الأحيان، فالحياة عملية تتسم بالنمو.

مصادر من داخل وخارج النص

[1]  https://edition.cnn.com/factsfirst/politics

[2]  https://www.cnncreativemarketing.com/project/cnn_factsfirst/

[3]  https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10,1111/pops.12394

[4]  https://scholar.google.com/citations?user=LB6MiT4AAAAJ&hl=en&oi=ao

[5]  ”التحيز المعرفي Cognitive bias وهو فكرة قوية مسبقة عن شخص ما أو شيء ما، بناءً على معلومات نمتلكها أو ندركها أو نفتقدها، وهذه المفاهيم المسبقة هي اختصارات / اختزالات عقلية ينتجها الدماغ البشري لتسريع معالجة المعلومات، لمساعدته بسرعة على فهم ما يراه، تعمل الأنواع العديدة من التحيز المعرفي كأخطاء منهجية في طريقة تفكير الفرد الشخصية، والتي تنشأ من تصورات هذا الفرد أو ملاحظاته أو وجهات نظره، هناك أمثلة مختلفة من التحيز الذي يعاني منه الناس والذي يؤثر في طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا وتؤثر فيه، بالإضافة إلى عملية اتخاذنا القرار تجعل التحيزات من الصعب على الناس تبادل المعلومات الدقيقة أو استنباط الحقائق، ويؤدي التحيز المعرفي إلى تشويه تفكيرنا النقدي، مما يؤدي إلى احتمال استمرار المفاهيم الخاطئة أو المعلومات المضللة التي يمكن أن تلحق الضرر بالآخرين. تقودنا التحيزات إلى تجنب المعلومات التي قد تكون غير مرحب بها أو غير مريحة، بدلاً من دراسة المعلومات التي قد تقودنا إلى نتيجة أكثر دقة، يمكن أن تجعلنا التحيزات أيضًا نرى أنماطًا أو روابط بين أفكار غير موجودة بالضرورة.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.almrsal.com/post/1071565

[6]  https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10,1111/j.1540-5907,2006.00214.x

[7]  ”الاصرار على التعلق بالمعتقد belief perseverance بالرغم من المعلومات الجديدة التي تتعارض معه بقوة. قد تتعزز مثل هذه المعتقدات عندما يحاول آخرون تقديم أدلة تكشف عن زيف هذه المعتقدات، وهي ظاهرة تُعرف باسم تأثير النتيجة العكسية backfire effect وذلك عندما يرفض أحدهم دليلًا يتناقض مع وجهة نظره أو ادعائه حتى وإن كان هذا الدليل صحيحاً.“ ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://en.wikipedia.org/wiki/Belief_perseverance

[8]  https://www.pnas.org/doi/full/10,1073/pnas.1804840115

[9]  https://journals.sagepub.com/doi/10,1177/0093650211416646

[10]  https://publications.aap.org/pediatrics/article-abstract/133/4/e835/32713/Effective-Messages-in-Vaccine-Promotion-A?redirectedFrom=fulltext

[11]  https://ar.wikipedia.org/wiki/انحياز_تأكيدي

[12]  https://journals.plos.org/plosone/article?id=10,1371/journal.pone.0210423

[13]  https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10,1037%2F0033-295X.100,2.298

[14]  https://us.macmillan.com/books/9781250013644/the-winner-effect

[15]  https://ar.wikipedia.org/wiki/وظائف_تنفيذية

[16]  ”غالبًا ما يُنظر إلى المعلومات المكررة على أنها أكثر صدقًا من المعلومات الجديدة. تُعرف هذه النتيجة بتأثير وهم الحقيقة «17»، ويُعتقد عادةً أنها تحدث لأن التكرار يزيد من سهولة النطق [نطق الكلمات / المسميات / العناوين، وما إلى ذلك. نظرًا لأن السهولة والحقيقة متلازمان كثيرًا في العالم الحقيقي، يعرف الناس استخدام سهولة النطق «18» كمؤشر على الصدق. فمثلًا، في تداول الأسهم، أداء الأسهم التي تتميز برموز تداول سهلة النطق أفضل من غيرها التي رموز تداولها صعبة النطق، كما في نطق رمز التداول KAG أسهل من نطق رمز التداول KGH.“ ترجمناه بتصرف من نص ورد على هذا العنوان

https://cognitiveresearchjournal.springeropen.com/articles/10,1186/s41235-021-00301-5

[17]  "تأثير وهم الحقيقة «illusion of truth effect» هو مصطلح يطلق على حالة اُكتشفت خلال تجارب سيكولوجية، وباختصار يحدث هذا التأثير عندما تسمع الحديث لمرة واحدة أو أكثر حتى دون الالتفات أو التركيز أو التثبت منه فإنك وبدون وعي تكون أكثر قابلية للاقتناع به عندما يطرح عليك أثناء مناقشة موضوع ما. سمي بهذا الاسم بعد نتيجة الدراسة التي أجريت عام 1977.

https://ar.wikipedia.org/wiki/أثر_وهم_الحقيقة

[18]  https://en.wikipedia.org/wiki/Processing_fluency

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/cognitive-biases-and-brain-biology-help-explain-why-facts-dont-change-minds-186530