آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

أسماؤنا.. أقدارنا

ياسر آل غريب *

مع اللحظات الأولى للإطلالة على هذه الحياة ترافقنا أسماؤنا من إشارة البدء في تكوين الهوية، إلى أن نخوض بها معترك الوجود. عوامل عديدة تؤثر على اختيار الأسماء، فثقافة الوالدين وطبيعة المجتمع والظروف المحيطة تتضافر جميعها؛ لتحدد هذا اللفظ الذي يعرّفنا على العالم. إنه الهبة التي تعطى إلينا منذ بداية أعمارنا، والبصمة التي تميزنا عن غيرنا، والدالة التي تشير إلى ذواتنا.

لكل اسم قصة، وقد يصبح إشكالية تجلب تبعات على صاحبه، كما يذكر المفكر الفلسطيني/ الأمريكي «إدوارد سعيد» في كتابه خارج المكان أنه تحمل مشقات اسمه بتوليفته المزدوجة، فكان يضطر إلى نطق شطره الأول الإنجليزي المفخم في بعض الظروف، وتارة يكتفي باسم العائلة العربي، وفي بعض الأحيان ينطقه كاملا بسرعة، مما يثير دهشة السامع. وفي حالة أخرى يفضل الشاعر البحريني «قاسم حداد» اسمه الأصلي «جاسم» لعفويته، ولكنه اختار آخر قريبا منه، كضرب من الفصحى، وربما كان في هذا التحوير رغبة مضمرة في الانتقال من البيئة المحلية إلى آفاق جديدة.

تنطلق الأسماء من مرجعيات عدة منها ماهو ديني كشيوع أعلام الأنبياء والأولياء والصحابة، استنادا على اختيار الاسم الحسن في الثقافة الإسلامية، ومما يروى في سيرة النبي محمد ﷺ أنه كان يدعو لتغيير الأسماء غير اللائقة. وللقبلية كذلك نظام يقوم على استحضار الأصول وتوريث الأسماء ف «أجدادنا هم أطفالنا» كما يعبر عبدالله الغذامي في كتابه «القبيلة والقبائلية» ونجد هذا واضحا جدا في أوساطنا فالبنت تحمل اسم جدتها والولد يحمل اسم جده. وربما يكون هذا الأمر مسببا لإشكاليات في العائلة نفسها خاصة مع الأجيال اللاحقة. ومن ضمن هذه المرجعيات ماهو مناطقي كأن يشتهر اسم في منطقة دون غيرها مثل: الأخضر في دول المغرب وحسنين في مصر.

أسماؤنا هي أقدارنا التي كتبت علينا من شهادة الميلاد إلى شهادة الوفاة، وحالاتها كثيرة جدا بعدد أنفاس الخلائق.. فبعضها جاء وفق مزاج اللحظة التي يعيشها الوالدان نتيجة تأثر بشخصية ما، أما عن تكوينها فهناك الرشيق منها بحروف أقل مثل «ود» و«مي» أو المركب الذي ينتشر في بعض المناطق مثل «محمد علي» وقد تعدل بعضها وفق نظرة عقدية كما تحوّل اسم الفنان الكويتي الشهير بصيغة طويلة «عبد رب الحسين عبد رب الرضا»، وقد يظل بعض الأشخاص متأرجحا بين اسمين.. بين ماهو في الأوراق الرسمية وبين المتعارف عليه وسط عائلته. ولطالما مررنا بحالة الدهشة عندما نسمع بأسماء الفنانين الحقيقية التي غطت عليها أسماء الشهرة. كذلك نجد أخرى حركية خاصة للمشتغلين بالعمل السياسي تصاغ؛ للمحافظة على تنظيماتهم، وربما كان من باب الولوج إلى هوية جديدة.

إننا في فضاء مفتوح على الكلمات، ونعي جيدا أن في البدء كانت الكلمة.. قد يتطابق الاسم مع المسمى، فيخلق جوا من التوافق والانسجام عند الإنسان، وقد يكون نافرا عن شخصيته!! حينها سيكون مجرد حروف متصلة دون أن تعني شيئا بالضرورة.