آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

المناكفات والمنافسات

محمد أحمد التاروتي *

الوقوف بالمرصاد للطرف الاخر سواء بالحق أو الباطل، يدخل ضمن المناكفات والترصد بالدرجة الأولى، فهذه الممارسات لا تمت للمنافسات المشروعة بصلة على الاطلاق، انطلاقا من قاعدة ”الاعتراف بالخطأ فضيلة“، فيما التعصب والإصرار على الباطل يدخل ضمن ”عنزة ولو طارت“، خصوصا وان هناك حدودا فاصلة بين المناكفة والمنافسة، فالاولى لا ترى سوى التعصب والوقوف في وجه الطرف الاخر لاسباب بعضها ذات علاقة بالحسد والكراهية والبعض الاخر نتيجة الامراض النفسية، بينما الثانية تتخذ من الوسائل المشروعة طريقا للدخول في السباق لتحقيق النجاحات، من خلال الانخراط في مسارات متعددة وطرق مختلفة للوصول إلى الأهداف المرسومة.

المناكفة تقود إلى الصراعات والاقتتال بمختلف اشكاله، فتارة تكون الخلافات المزمنة بطرق الكلامية عبر استخدام المنابر الإعلامية والاستفادة من المسارات المتاحة للتعبير في البيئة الاجتماعية وتارة أخرى تتحول تلك المناكفة إلى حروب طاحنة تأكل الأخضر واليابس، بحيث تدخل الأطراف المتنازعة في متاهات مظلمة، جراء إصرار احد الأطراف بمواقفه الخاطئة ورفض كافة المحاولات للتنازل والنزول من الشجرة، وبالتالي فان انتهاج سبيل المناكفة في العلاقات الخاصة يكشف طبيعة التفكير والمنظومة القيمية التي تحرك هذه الفئة الاجتماعية.

التجاهل واستمرارية النجاحات تغذي ”المناكفة“ في نفوس البعض، حيث تنظر إلى عمليات التجاهل بطريقة مختلفة، مما يدفعها لمحاولة التصيد ونصب الافخاخ للايقاع بالطرف المقابل، بالإضافة لذلك فان استمرار النجاحات وتحقيق المزيد من التقدم على الصعيد الشخصي والاجتماعي، يجعل محاولات رأب الصدع غير مجدية، نظرا لوجود احقاد داخلية تعقد المشهد على صعيد العلاقات الشخصية، وبالتالي فان التحركات المشحونة بمختلف اشكال الأحقاد ليست قادرة على ترطيب الأجواء الإيجابية على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان المناكفة تدمر أصحابها قبل إصابة الآخرين بسوء، ”قاتل الله الحسد ما اعدله بدأ بصاحبه فقتله“.

الاضرار بالاطراف الأخرى، جراء تضخيم بعض الأخطاء الصغيرة، والعمل على تأليب الوسط الاجتماعية، أسلوب مألوف يتخذ أصحاب ”الأحقاد“ على الدوام، من خلال الترصد الدائم لكافة لمختلف الاعمال، بهدف وضع تلك الاعمال تحت المجهر للدخول في مواجهة مباشرة كنوع من المناكفة المستمرة، بيد ان التحركات الساعية للاضرار بالاطراف الأخرى ليست مضمونة على الاطلاق، خصوصا وان أسلوب التضخيم سلاح ذو حدين، فتارة يصيب الهدف ويعطي النتائج المرجوة وتارة يرتد على أصحابه ويخطئ الهدف، مما يتسبب في جروح خطيرة على صعيد المصداقية، وبالتالي الدخول في مواجهة مباشرة مع البيئة الاجتماعية.

المنافسة ممارسة أخلاقية ومشروعة، فهي تدخل ضمن المعايير والنظم المتعارفة، خصوصا وان المنافسة احد المحفزات الأساسية لتفجير الطاقات لدى البشر، مما ينعكس بصورة مباشرة على مختلف الأصعدة في البيئة الاجتماعية، حيث تسهم المنافسة في ابراز الكثير من الكفاءات وتقود عملية الانسجام الداخلي بالمجتمع، لاسيما وان المنافسة قادرة على وضع الأمور في المسارات السليمة، من خلال استخدام الأطر النظامية للحصول على المزايا وتحقيق الكثير من الأهداف المرسومة.

الحدود الفاصلة بين المناكفات والمنافسات، تبرز في مستوى العلاقات الخارجية، بحيث تترجم بشكل واضح على طبيعة النظرة تجاه النجاحات، فالاولى تعتبر نجاحات الآخرين خطر كبير على الصعيد الشخصي وكذلك على الاطار الاجتماعي، فيما الثانية تتخذ من نجاحات الآخرين محفز للتحرك الجاد للوصول إلى مصاف تلك الشخصيات الناجحة، الامر الذي يسهم في الارتقاء بمستوى التفكير الجمعي، كون المنافسة عنصر جامع على الجانب الاجتماعي، بينما تمثل المناكفة سببا للفرقة والدخول في صراعات تتسبب في الكثير من الإخفاقات والمزيد من الفشل.

كاتب صحفي