آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

هروب مصطنع

عبد الباري الدخيل *

يبدأ صباحي كل يوم مبكرًا، بالصلاة ثم الاستعداد للذهاب للمدرسة، ملابس، إفطار، كتب، ولابد من وقفة أمام المرآة قبل مغادرة المنزل لأطمئن على تمام استعدادي للخروج.

ونحن نقف عند زاوية منزلنا أنا وبعض أبناء الجيران ممن هم في عمري أو أكبر أو أصغر ننتظر الحافلات التي ستقلنا إلى مدارسنا، طلب مني أحمد أن ألحق به بعيدًا عن الطلاب المجتمعين، ليهمس في أذني: ما رأيك في مغامرة تجدد نشاطنا، ونخرج من أجواء الدراسة الرتيبة؟

أجبته هامسًا: هل أنت مجنون؟ ماذا سيحدث لو اكتشف أهلنا أننا لم نذهب للمدرسة؟

قال مبتسمًا: لماذا سُمّيت مغامرة إذًا؟

وسحب يدي لنبتعد قليلًا عن الطلاب، ثم ندخل في زقاق، ونذهب راكضين إلى الجهة الأخرى من الحي.

استوقفته: إلى أين تأخذني؟

قال: سنذهب لصيد السمك.

- وكيف سنذهب؟

- بالدراجة

- لا استطيع الذهاب للبيت، إن رأتني أمي وأنا أخرج بالدراجة فستخبر أبي، ويا ويلي إن علم أبي بغيابي.

- لا تخف.. لقد أخفيت دراجتي في البيت المهجور، ووضعت معه عدة الصيد.

- لكنني لن أدخل البيت المهجور.

ضحك حتى جلس من شدة الضحك، بعد قليل وقف وأشار إليَّ أن أتبعه.

أخرج الدراجة وامتطيناها وإلى البحر سرنا مسرعين نقلد طيور النورس في تحليقها، لكن بالدراجة إلى الشاطئ.

عند وصولنا للبحر لم نجده، فقد بدأ الجزر، وابتعدت المياه المالحة عن الساحل.

قلت لأحمد: ماذا سنفعل الآن؟

قال بكل نشاط وحيوية: مازالت المغامرة قائمة، نجمع القواقع والأصداف.

قلت وأنا أحرك يدي رافضًا هذه الفكرة: لا.. لا.

قال: إذًا نذهب للبستان الذي يقع جنوب القرية، ونقطف من ثمره.

استحسنت الفكرة على مضض، لكنها أحسن من جمع الأصداف وأنظف.

مضينا نحو بستان يقع عند طرف القرية، وكان في استقبالنا أول وصولنا كلب أسود في ارتافع ثور، نظر لنا بريبة، ثم أخذ ينبح حتى تجمدت أطرافنا، وهجم علينا فهربنا تاركين الدراجة خلفنا.

لم يلحق بنا الكلب عندما ابتعدنا عن حدود البستان، فتوقّفت قلوبنا وتقطّعت أنفاسنا قبل أن نقف.

ماذا سنفعل الآن؟ قلت لأحمد

أجاب: سنكمل المغامرة ونحضر الدراجة.

قلت: يا الله.. كم تعشق المشاكل يا أحمد!

ابتسم وقال: ”الدنيا حلوة بالمغامرات“.

اتفقنا أن نفترق، فيذهب هو للكلب من جهة وأتسلل أنا لخطف الدراجة والهروب بها للقرية.

عند محل بيع المواد الغذائية في أول القرية كنت أنتظر، ولم يدم انتظاري كثيرًا، فقد وصل أحمد ماشيًا يحرك يديه طربًا كأنه جاء من عرس، وبيده كيس فيه رطب ولوز وتوف وبمبر.

ناولني حبة لوز وقال: عندما لحق بي الكلب اكتشفت أنه مقيد بسلسلة حديدية، فدخلت البستان ورآني صاحبه فسألني عن اسمي فقلت له: إبراهيم.

- قاطعته: ماذا؟؟ أخبرته بإسمي؟

- قال وهو يضحك: اتضح أنه من أقربائكم، فأمسك أذني وقال: إياك والكذب، ثم أعطاني هذا الكيس شرط ألا أكذب أو أقصد البستان بلا استئذان.